والمراد بالعقلي : ما عدا ذلك. فدخل فيه الوهميّ ، وهو ما ليس مدركا بشيء من الحواسّ الخمس الظاهرة ، مع أنه لو أدرك لم يدرك إلا بها ، كما في قول امرىء القيس :
ومسنونة زرق كأنياب أغوال (١)
وعليه قوله تعالى : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) (٦٥) [الصّافات : الآية ٦٥] وكذا ما يدرك بالوجدان ، كاللّذة ، والألم ، والشّبع ، والجوع.
وأما وجهه : فهو المعنى الذي يشترك فيه الطرفان ، تحقيقا أو تخييلا.
والمراد بالتخييل : أن لا يمكن وجوده في المشبّه به إلا على تأويل ، كما في قول القاضي التنوخي :
وكأنّ النجوم بين دجاها |
|
سنن لاح بينهن ابتداع (٢) |
فإن وجه الشبه فيه : الهيئة الحاصلة من حصول أشياء مشرقة بيض في جوانب شيء مظلم أسود ؛ فهي غير موجودة في المشبّه به إلا على طريق التخييل.
وذلك : أنه لما كانت البدعة والضلالة وكلّ ما هو جهل ؛ يجعل صاحبها في حكم من يمشي في الظلمة ، فلا يهتدي إلى الطريق ، ولا يفصل الشيء من غيره. فلا يأمن أن يتردّى في مهواة ، أو يعهر على عدوّ قاتل ، أو آفة مهلكة ـ شبّهت بالظّلمة ، ولزم ـ على عكس ذلك ـ أن تشبه السنّة والهدى ، وكلّ ما هو علم بالنور ، وعليهما قوله تعالى : (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [المائدة : الآية ١٦].
وشاع ذلك ، حتى وصف الصّنف الأول بالسّواد ، كما في قول القائل : «شاهدت سواد الكفر من جبين فلان».
والصّنف الثاني بالبياض ، كما في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم : «أتيتكم بالحنيفيّة البيضاء» (٣) وذلك لتخييل أن السّنن ونحوها من الجنس الذي هو إشراق أو ابيضاض في العين ، وأن البدعة ونحوها على خلاف ذلك. فصار تشبيه النجوم ما بين الدّياجي بالسّنن ما بين
__________________
(١) صدر البيت :
أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي
والبيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٣ ، ولسان العرب (غول) ، (شطن) ، وتهذيب اللغة ٨ / ١٩٣ ، وجمهرة اللغة ص ٩٦١ ، وتاج العروس (زرق) ، وبلا نسبة في المخصص ٨ / ١١١.
(٢) البيت من الخفيف ، وهو للقاضي التنوخي في المصباح ص ١١٠ ، ونهاية الإيجاز ص ١٩٠.
(٣) الحديث لم أجده بهذا اللفظ ، وروي الحديث بلفظ : «بعثت بالحنيفية السمحة» أخرجه بهذا اللفظ أحمد في المسند ٥ / ٢٦٦ ، ٦ / ١١٦ ، ٢٣٣.