وذلك بنزول المطر ؛ فيكثر تقلّب وجوههم في السماء ، ثم لا بد لهم من مأوى يؤويهم ، وحصن يتحصّنون به ، ولا شيء لهم في ذلك كالجبال ، ثم لا غنى لهم لتعذّر طول مكثهم في منزل عن التنقل من أرض إلى سواها ؛ فإذا فتش البدويّ في خياله وجد صور هذه الأشياء حاضرة فيه على الترتيب المذكور ، بخلاف الحضريّ ، فإذا تلا قبل الوقوف على ما ذكرنا ظنّ النّسق لجهله معيبا.
ومن محسّنات الوصل تناسب الجملتين ، في الاسميّة والفعلية وفي المضيّ والمضارعة ، إلّا لمانع ، كما إذا أريد بإحداهما التجدّد وبالأخرى الثبوت ، كما إذا كان زيد وعمرو قاعدين ، ثم قام زيد دون عمرو ، وقلت : «قام زيد ، وعمرو قاعد» كما سبق.
ومما يتصل بهذا الباب القول في الجملة إذا وقعت حالا متنقلة ، فإنها تجيء تارة بالواو ، وتارة بغير الواو ؛ فنقول :
أصل الحال المنتقلة أن تكون بغير واو ، لوجوه :
الأول : أنّ إعرابها ليس بتبع ، وما ليس إعرابه بتبع لا يدخله الواو ، وهذه الواو وإن كانت تسمّى واو الحال : فإن أصلها العطف.
الثاني : أن الحال في المعنى حكم على ذي الحال ، كالخبر بالنسبة إلى المبتدأ ، إلا أن الفرق بينه وبينها أن الحكم به يحصل بالأصالة ، لا في ضمن شيء آخر ، والحكم بها إنما يحصل في ضمن غيرها ؛ فإن الركوب مثلا في قولنا : «جاء زيد راكبا» محكوم به على زيد لكن لا بالأصالة ، بل بالتبعية ، بأن وصل بالمجيء وجعل قيدا له ، بخلافه في قولنا : زيد راكب.
الثالث : أنها في الحقيقة وصف لذي الحال ؛ فلا يدخلها الواو كالنّعت.
فثبت أن أصلها أن تكون بغير واو ، لكن خولف الأصل فيها إذا كانت جملة ؛ لأنها ـ بالنظر إليها من حيث هي جملة ـ مستقلّة بالإفادة ؛ فتحتاج إلى ما يربطها بما جعلت حالا عنه.
وكلّ واحد من الضمير والواو صالح للرّبط ، والأصل الضمير ، بدليل الاقتصار عليه في الحال المفردة ، والخبر ، والنعت.
وإذا تمهّد هذا فنقول :
الجملة التي تقع حالا ضربان : خالية عن ضمير ما تقع حالا عنه ، وغير خالية.
أما الأولى فيجب أن تكون بالواو ؛ لئلا تصير منقطعة عنه ، غير مرتبطة به.