ثلاثة تشرق الدّنيا ببهجتها |
|
شمس الضّحى ، وأبو إسحاق ، والقمر (١) |
أو تضاد ، كالسواد والبياض ، والهمس والجهارة ، والطّيب والنّتن ، والحلاوة والحموضة ، والملاسة والخشونة ، وكالتحرّك والسكون ، والقيام والقعود ، والذهاب والمجيء ، والإقرار والإنكار ، والإيمان والكفر ، وكالمتصفات بذلك كالأسود والأبيض ، والمؤمن والكافر.
أو شبه تضاد ، كالسماء والأرض ، والسهل والجبل ، والأول والثاني ؛ فإن الوهم ينزل المتضادين والشبيهين بهما منزلة المتضايفين ، فيجمع بينهما في الذهن ، ولذلك تجد الضّد أقرب خطورا بالبال مع الضدّ.
والخياليّ أن يكون بين تصوّريهما تقارن في الخيال سابق ، وأسبابه مختلفة ولذلك اختلفت الصور الثابتة في الخيالات ترتبا ووضوحا ؛ فكم تتعانق في خيال ، وهي في آخر لا تتراءى ، وكم صورة لا تكاد تلوح في خيال ، وهي في غيره نار على علم.
كما يحكى أن صاحب سلاح ملك ، وصائغا ، وصاحب بقر ، ومعلّم صبية ؛ سافروا ذات يوم ، وواصلوا سير النهار بسير الليل ، فبينما هم في وحشة الظلام ، ومقاساة خوف التخبّط والضلال ؛ طلع عليهم البدر بنوره ، فأفاض كل منهم في الثناء عليه ، وشبّهه بأفضل ما في خزانة صوره ، فشبّهه السّلاحيّ بالتّرس المذهّب يرفع عند الملك ، والصائغ بالسبيكة من الإبريز تفترّ عن وجهها البوتقة ، والبقار بالجبن الأبيض يخرج من قالبه طريّا ، والمعلّم برغيف أحمر يصل إليه من بيت ذي مروءة.
وكما يحكى عن ورّاق يصف حاله : عيشي أضيق من محبرة ، وجسمي أدقّ من مسطرة ، وجاهي أرقّ من الزجاج ، وحظّي أخفى من شقّ القلم ، وبدني أضعف من قصبة ، وطعامي أمرّ من العفص ، وشرابي أشدّ سوادا من الحبر ، وسوء الحال لي ألزم من الصّمغ.
ولصاحب علم المعاني فضل احتياج إلى التنبه لأنواع الجامع ، لا سيما الخيالي ، فإن جمعه على مجرى الإلف والعادة بحسب ما تنعقد الأسباب في ذلك كالجمع بين الإبل ، والسماء والجبال والأرض ، في قوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (٢٠) [الغاشية : الآيات ١٧ ـ ٢٠] بالنسبة إلى أهل الوبر فإن جلّ انتفاعهم في معاشهم من الإبل ؛ فتكون عنايتهم مصروفة إليها ، وانتفاعهم منها لا يحصل إلا بأن ترعى وتشرب
__________________
(١) البيت من البسيط ، وقد تقدم مع تخريجه.