فإنه تعريض بأنه قد علم أنه لا مطمع له في وصلها ، فيئس من أن يكون منها إسعاف به ، وقوله :
وإنما يعذر العشاق من عشقا (١)
يقول : ينبغي للعاشق أن لا ينكر لوم من يلومه ؛ فإنه لا يعلم كنه بلوى العاشق ، ولو كان قد ابتلي بالعشق مثله لعرف ما هو فيه ؛ فعذره ، وقوله :
ما أنت بالسّبب الضعيف ، وإنما |
|
نجح الأمور بقوّة الأسباب (٢) |
فاليوم حاجتنا إليك ، وإنما |
|
يدعى الطبيب لساعة الأوصاب |
يقول في البيت الأول : إنه ينبغي أن أنجح في أمري حين جعلتك السبب إليه ، وفي الثاني : إنا قد طلبنا الأمر من جهته حين استعنّا بك فيما عرض لنا من الحاجة ، وعوّلنا على فضلك ، كما أن من عوّل على الطبيب فيما يعرض له من السقم ؛ كان قد أصاب في فعله.
ثم القصر كما يقع بين المبتدأ والخبر كما ذكرنا يقع بين الفعل والفاعل وغيرهما ؛ ففي طريق النفي والاستثناء يؤخّر المقصور عليه مع حرف الاستثناء ، كقولك في قصر الفاعل على المفعول إفرادا أو قلبا بحسب المقام : «ما ضرب زيد عمرا» وعلى الثاني لا الأول قوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) [المائدة : الآية ١١٧] لأنه ليس المعنى «إني لم أزد على ما أمرتني به شيئا» إذ ليس الكلام في أنه زاد شيئا على ذلك أو نقص منه ، ولكن المعنى «إني لم أترك ما أمرتني به أن أقوله لهم إلى خلافه» لأنه قال في مقام اشتمل على معنى «إنك يا عيسى تركت ما أمرتك أن تقوله إلى ما لم آمرك أن تقوله ؛ فإني أمرتك أن تدعو الناس إلى أن يعبدوني ، ثم إنك دعوتهم إلى أن يعبدوا غيري» ، بدليل قوله تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [المائدة : الآية ١١٦].
وفي قصر المفعول على الفاعل : «ما ضرب عمرا إلا زيد» وفي قصر المفعول الأول على الثاني في نحو «كسوت» و «ظننت» : «ما كسوت زيدا إلا جبّة ، وما ظننت زيدا إلا منطلقا» وفي قصر الثاني على الأول : «ما كسوت جبّة إلا زيدا ، وما ظننت منطلقا إلا زيدا» وفي قصر ذي الحال على الحال «ما جاء زيد إلا راكبا» وفي قصر الحال على ذي
__________________
(١) وهذا أيضا للعباس بن الأحنف.
(٢) البيتان من الكامل ، وهما لأحمد بن أبي دؤاد أو الباخرزي أو محمد بن أحمد بن سليمان كما في معجم الشعراء ص ٤٤٧ ، والتبيان في الدلائل صفحة ٢٧٣.