والعامل المهم في التسلط لم يكن في تغلب العناصر وحدها فقد رأينا الأمة اليقظة لا تبالي بتغلب عنصر أو أكثر ... وإنما تستفيد من هذا التغلب لتجعلهم في تطاحن ... أو كما فعلت الإسلامية بأن سوت بين الجميع ... وإنما كان الخلل في سوء الإدارة فالعباسيون شغلوا بالملاذ والملاهي ولم يكن لهم من الوقت ما يبصرهم بإدارة المملكة ولم ينظروا إلا لنعيم أنفسهم وتنعمهم فساق ذلك إلى قهر الأهلين وظلمهم ... ومن ثم تدخل المماليك في الإدارة وذاقوا حلاوتها فسيطروا وهكذا استمروا حتى انتزعوها من أهليها ... وكان الانتباه أحيانا من بعض العباسيين بعد أن قضي الأمر وسبق السيف العذل يعد في غير أوانه ولم يعدل في الوضع ، ولا في التغلب على العنصر القابض على أزمة السلطة ... ومن العدل الإلهي أن لا يدوم ملك بلا نظر ، وحسن إدارة ...
والأمة في الحقيقة لا تدري إلا بقيام خليفة مكان آخر وهي في حالاتها تئن من ظلم السابق وتتوقع عتوّ اللاحق ... وكانت السلطة تتناوبها المماليك وأمراء الترك الواحد إثر الآخر ، والحكم للأقوى ... والخليفة تابع لمراسم يجريها فكأنه آلة ميكانيكية تابعة لحركة غيرها ليس له من الأمر شيء ... ويكفيه الجواري الكثيرة ، والملاذ النفسية ولا تهمه الإدارة ولا الشعب ...
والأولى لحكومة مثل هذه أن تموت أولا لأنها ساعدت على سحق الشعب فلم تسوّ بين أفراده ، وثانيا لم تبق فيه من المقدرة للنهوض في وجهها ومحاسبتها على اعمالها ... وهذه الغلبة أي انتصار الحكومة على الشعب لم يسبق له نظير في أمة ... والمأسوف عليه أنها لم تستبدل بما هو اصلح منها. وإنما الحالة سارت إلى التسافل والتدني يوما فيوما إلى أن قضي عليها وعلى الأهلين ولم يبق فيهم من يعرف للحرية قيمة ولا للحياة الاجتماعية مكانة فهم مسيرون لا يدرون ماذا