وجاء في الأثر أنّ الشيطان تحدّاه بأنه لو سلّط عليه لضجر وسخط حكم الله تعالى ، فسلّط على ماله وولده وجسده إلا قلبه ولسانه فصبر صبرا أثنى الله به عليه إلى يوم القيامة في قرآن يتلى ، فقال تعالى : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص : ٣٨ / ٤٤] ، وبقي الشّيطان خائب الصّفقة خزيان. فلمّا نادى ربّه شاكيا بالشّيطان وبما ناله منه ، أجابه بالإقالة من شكيّته وأمره أن يركض الأرض برجله حتى يريه بركة صبره فقال : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) [ص : ٣٨ / ٤٢] فعجّل له في الدّنيا مثلا لعين الحياة التي بين الجنّة والنّار يغتسل فيها المعذّبون ويشربون منها فيخرجون مطهّرين من كل بؤس ظاهرا وباطنا ، كما جاء في الخبر (١).
فمسّ أيّوب عليهالسلام الأرض برجله فنبع منها الماء فشرب منه فبرئ ما كان في باطنه من دقيق السّقم وجليله ، واغتسل فبرئ من ظاهره أتمّ براءة ، فما كان يرسل الماء على عضو إلاّ ويعود في الحين أحسن ما كان قبل ، بإذن الله تعالى.
وردّ الله عليه ماله وولده ، وولد له مثل عددهم.
قال الله تعالى : (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) [الأنبياء : ٢١ / ٨٤].
وهذه القصة على رونق فيها ، لكونها متعلقة بالكتاب ، جائزة في العقل ، لكنّها غير لائقة بمنصب النّبوة. وحاشى لله أن يسلّط عدوّه على حبيبه بمثل هذه السّلطة حتى يتحكّم في ماله وولده وجسده بالبلاء والتّنكيل.
__________________
(١) في صحيح مسلم ١ / ١٧٢ من حديث أبي سعيد الخدري رضياللهعنه ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال :«يدخل الله أهل الجنّة الجنّة ، يدخل من يشاء برحمته ، ويدخل أهل النّار النار ، ثم يقول : انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبّة من خردل من إيمان فأخرجوه ، فيخرجون منها حمما قد امتحشوا فيلقون في نهر الحياة ـ أو الحيا ـ فينبتون فيه كما تنبت الحبّة إلى جانب السّيل ، ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية؟!» قوله : قد امتحشوا ، أي : قد احترقوا.