فصل
[تفصيل في معنى «الهمّ» وتوضيح]
فإن قيل : فما الحقّ الذي يعوّل عليه في هذا الهمّ؟!
فنقول ؛ أوّلا : إنّ بعض الأئمّة ذكروا أنّ الإجماع منعقد على عصمة بواطنهم من كلّ خاطر وقع فيه النّهي ، وللمحقّقين أقوال في هذا الهمّ نذكر المختار منها إن شاء الله تعالى.
فمنهم من قال : إنّ في الكلام تقديما وتأخيرا (١) ، وترتيبه أن يكون : ولقد همّت به ، ولو لا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها ، ويكون البرهان هنا النّبوّة والعصمة ، وما كاشف من الآيات وخوارق العادات ، والتّقديم والتّأخير في لسان العرب سائغ.
ومنهم من قال : همّ بحكم البشريّة مع الغفلة عن ارتكاب النّهي. ثم ذكّره الله تعالى الإيمان وتحريم المعصية وشؤمها والوعيد عليها ، وهو البرهان الأعظم فصرف عنه السّوء والفحشاء ، ولذا قال بعضهم : همّ وما تمّ ، لأن العناية من ثمّ! (٢).
ومنهم من قال : كاد أن يهمّ لو لا العصمة السّابقة ، فيكون الهمّ هنا مجازا.
ومنهم من قال : همّ همّ الفحوليّة ، وذلك أنه كان ـ عليهالسلام ـ فحلا شابّا خلت به امرأة ذات جمال وغنج ، وطالبته تلك المطالبة ، فاهتزّ هزّة الفحل بهزّ ضروريّ غير مكتسب (٣) ، فسمّي ذلك الاهتزاز همّا لكونه من أسباب الهمّ كما تقدّم.
__________________
(١) نقل في اللسان قال أبو حاتم : قرأت غريب القرآن على أبي عبيدة فلمّا أتيت على قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) الآية ، قال أبو عبيدة هذا على التقديم والتأخير كأنه أراد : ولقد همّت به ولو لا أن رأى برهان ربّه لهم بها ، اللسان (ه م م).
(٢) أي : همّ ، ولم يتم شيء من ذلك الهمّ ، لأنّ العناية الإلهية كانت هنالك.
(٣) هو ما يدعى الطبيعي والغريزي.
ـ وقوله : لا طلب : أي لا مؤاخذة.