فاخترنا الكلام في هاتين القصّتين لكونهما مما يصحّ معناهما لو صحّ أثرهما. فلو صحّ ما قالوه من القولتين أو إحداهما لتصوّر الخروج عنهما بأحسن مخرج.
فأما قصّة الحمل ، فقد يكون يغلب الظنّ أن جاره ليس يحتاج إليه في ذلك الوقت ، وقد نعلم (١) أنّه يمكنه أن يصنع مثل ذلك ، فإنّ ثمن الحمل يسير ، وليس كلّ فقير مملقا ، وقد يحتمل أنّه نسي أن يواسيه منه ، وليس يلحقه في ذلك عتب ولا ذنب ، على أنّه لو ترك إعطاءه قاصدا لم يكن مذنبا ، فإنّ مؤاساة الجار مندوب إليها ، ومن ترك المندوب فلا ذنب عليه.
وأما قولهم : إنه لم يغيّر المنكر على الملك الجبّار ، فعين هذا القول عذر عنه.
فإنّ لزوم تغيير المنكر إنّما هو مع الإمكان ، قال تعالى : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) [الحج : ٢٢ / ٤١]. فلما علم جبروت (٢) الملك خاف على نفسه ، ولم يمكنه تغييره بظاهره لئلا يقع من الجبّار منكر أكبر ممّا رآه في منزله ، فغيّر بقلبه.
ويحتمل أن يكون ذلك الملك لم يكن من أمّته ، ولا أرسل إليه ، فلم يغيّر عليه ، إذ لا يلزمه ذلك.
كما مرّ موسى عليهالسلام على قوم يعكفون على أصنام لهم فغيّر على قومه ولم يغيّر عليهم ، لكونه لم يرسل إليهم ، فإنّ النبيّ لا يلزمه التّغيير إلاّ على من أرسل إليه.
فقد خرجت القولتان بحمد الله على أحسن مخرج إذا صحّتا.
وأما قوله : (مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) [ص : ٣٨ / ٤١] أي ببلاء وشر.
جاء في خبر يطول ذكره ، فلنذكر منه ما لا بدّ من ذكره.
__________________
(١) في الأصل المخطوط (نعلم) غير معجمه.
ولعل المعنى : «وقد نسلم» أي نسلم جدلا ، واستجرارا للكلام.
(٢) في الأصل المخطوط : جبريّة. ورجحت ما رجّحه السّياق.