ويعضد ذلك ما سنذكره إن شاء الله تعالى في هذه القصّة من جمع أجزاء الطّيور بعد تفريقها. وللنّاس في هذا عريض من القول لسنا الآن له.
وأمّا قوله تعالى : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى) : سأله بالنّفي فأجابه ب «بلى» التي هي جواب النّفي لإثبات المنفيّ. كأنه قال له : ألست مؤمنا بالبعث؟ قال : بلى ، معناه : أنا مؤمن به كما علمت ، لكنّني أريد أن يطمئنّ قلبي برؤية الكيفيّة ، فقال تعالى له : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) أي : أملهنّ إليك بالإحسان والتّعليم لكي تدعوها فتأتيك مجيبة لدعائك. ففعل ذلك ثم أخذ الطّيور وذكّاها (١) وحزّ رءوسها ، وأمسكها عنده ، وهشم أجسامها وخلطها حتى صارت جسما واحدا لا يتميّز بعضها من بعض ، ثم فرّقها على أربعة أجبل ، ثم قعد هو في الجبل الوسط الذي أحاطت به الجبال الأربعة ، ثم دعاها فطارت القطرة من الدّم إلى القطرة ، واللّحمة إلى اللحمة ، والريشة إلى الريشة ، وكذلك صكيك العظام (٢) ، وهو ينظر إليها حتى التأم كلّ جسد على ما كان عليه من الأجزاء التي كانت له قبل ، ثم طار كلّ جسد إلى رأسه فالتأم به.
فصل
[تحليل في مجريات القصّة وتعليل]
انظروا ـ رحمكم الله ـ إلى وقوع هذه الكيفيّة فإنّها تشبه بعث بعض الأجساد وجمعها وإحياءها وسرعة مسيرها إلى أرض المحشر حذوك النّعل بالنّعل (٣).
__________________
(١) ذكّاها : ذبحها.
(٢) صكيك العظام : المدقوق المهروس.
(٣) الحذو : التقدير والقطع ، وفي الحديث : «لتركبنّ سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل» أي تعملون مثل أعمالهم كما تقطع إحدى النعلين على قدر الأخرى.