ومع هذا فالرّسول ـ عليهالسلام ـ أشرف وأسنى من أن يمتحن بمثل هذه النّقيصة ، ومع ذلك فما صحّ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحبّها ولا شغف بها في كتاب ولا سنّة سوى ما تخيّله (١) الجهلة ، وكلّ ما رووه في ذلك عن الصّحابة فكذب وزور وجهل بمقتضى الآية ومنصب النّبوّة ، وتخرّص من أهل النّفاق ، وها أبيّن لك ذلك في سياق الآية إن شاء الله تعالى.
فصل
[معجزة في هذه القصّة وكرامة وشرف وتشريف]
قال الله تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ) [الأحزاب : ٣٣ / ٣٧].
ذكر بعض المفسّرين في أشبه الأقوال أنّ قوله تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ) ، تنبيه من الله تعالى لنبيّه ـ عليهالسلام ـ على وجه العتاب في قوله لزيد : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) ، وأقول إنّه تنبيه لنبيّه ـ عليهالسلام ـ ليتهيّأ لفهم الخطاب من غير عتاب ، وهو الأظهر والأولى.
وبذا تناصرت الآيات كقوله تعالى : (إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) [البقرة : ٢ / ١٢٤] ، وقوله : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) [البقرة : ٢ / ٣٢] وفي سور أخر إلى غير ذلك من الآي.
وأما قوله تعالى : (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) [الأحزاب : ٣٣ / ٣٧] ، ففي هذا الخبر معجزة للرّسول صلىاللهعليهوسلم وكرامة لزيد ، لكنّها من أعزّ الكرامات وأشرفها.
فأمّا المعجزة فهي من باب إخباره ـ عليهالسلام ـ بالغيوب فتقع كما أخبر عنها.
__________________
(١) ما تخيّله الجهلة : من خيالهم المريض. وفي المخطوط بالحاء المهملة (تحيّله) ولها وجه أيضا. ورجّحت الخاء المعجمة.