فقد قام بحمد الله عذر نوح في سؤاله عن رفع الإشكال ، وإجابة ربّه تعالى إيّاه في إعلامه بمآل ولده ، وعتبه ألا يعود لمثل ذلك ، واستعاذ هو بربّه ألاّ يفعل مثل ذلك.
ولله تعالى أن يعتب أنبياءه ، ويؤدّبهم ، ويحذّرهم ، ويعلّمهم ، من غير أن يلحق بهم عتب ولا ذنب.
فهذا هذا ، والجهلة يخبطون عشواء الدّجون! (١).
فصل
[في شرح ما جاء في الكتاب من دعائه على قومه وامتناعه الشّفاعة الكبرى في الآخرة من أجله]
وأمّا قصّته عليهالسلام في دعائه على قومه حين قال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) [نوح : ٧١ / ٢٦] فأجابه ربّه فيهم ، فجاء في الخبر أنه احتمل أذايتهم ألف سنة إلاّ خمسين عاما ، كما أخبر تعالى ، وهو يقول مع ذلك ، ربّ اهد قومي فإنّهم لا يعلمون. فبينا هو ساجد يوما إذ مرّ به رجل من كفّار قومه وعلى عنقه حفيد له ، فقال الجدّ للحفيد : يا بنيّ ، هذا هو الشّيخ الكذاب الذي دعانا إلى عبادة ربّ لا نعرفه وأوعدنا وعيدا بلا أمد ، فتحفّظ منه لئلاّ يضلك ، فقال الحفيد له : إذا كان على هذه الحالة فلم تركتموه حيّا إلى الآن؟ فقال له الجدّ : وما كنا نصنع به؟
فقال أنزلني حتّى ترى ما أصنع به ، فأنزله ، فأخذ صخرة فصبّها على رأسه فتلقّفها الملك ، وقيل : شجّ رأسه ، فلما سمع نوح عليهالسلام قوله ورأى فعله ، علم إذ ذاك أنّ الحفيد أطغى من الجدّ ، فدعا في تلك السّجدة فكان ما كان (٢). ثم ندم على دعائه
__________________
(١) وردت عبارة للمؤلّف مماثلة شرحناها في مكانها ، في أواخر خبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع زينب رضي الله عنها ، قال المؤلّف : «والجهلة يخبطون عشواء الدّجون».
(٢) الخبر في القرطبي ١٨ / ٣١٢.