قال من الباطنيّة باستحالة حشر الأجساد ، والجهلة بعصمة الأنبياء عليهمالسلام ، على الوجه الذي ذكرناه قبل.
فقالوا : هذا إبراهيم عليهالسلام على جلالة قدره قد استراب في البعث حتّى طلب رؤية الكيفيّة ليطمئنّ قلبه بنفي الاسترابة. وهذا أشدّ في الاعتراض من كلّ ما ذكروه ، فإن الشّكّ في البعث كفر صراح بالإجماع من كل أمّة (١) ، فإن حقيقة الكفر في الشرع تكذيب الله ورسله. وما ملئت طباق جهنّم (٢) إلاّ من هذا الصّنف الشاكّ فيما جاءت به الرّسل عليهمالسلام.
فانظر ـ عصمنا الله وإياكم ـ إلى معتقد هذه الوصمة في حقّ الخليل صلىاللهعليهوسلم ، أن تؤوّل به. ولأجلها جاء عنه عليهالسلام أنّه قال (٣) : «نحن أحقّ بالشّكّ من إبراهيم» ؛ نبّه ضعفاء العامة أنّ أنبياء الله تعالى في العصمة والنّزاهة على سواء ، فما جاز على أحدهم جاز على الكلّ. فكأنه يقول : إياكم أن تجوّزوا الشكّ على إبراهيم عليهالسلام فيما يوحى إليه به ، فإن جوّزتموه عليه فأنا أحق أن تجوّزوه عليّ ، وأنتم لا تجوّزونه عليّ فلا تجوّزوه عليه. ثمّ تأدّب عليهالسلام مع الأب بقوله : نحن أحقّ.
فصل
[رؤية ... واطمئنان]
في شرح الآية. قال الله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ، قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ، قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة : ٢ / ٢٦٠].
__________________
(١) يقول : إن الإقرار بالبعث والنّشور أساس في كلّ عقيدة في أديان الله.
(٢) طباق جهنّم : طبقاتها ، طبقة فوق طبقة.
(٣) في صحيح مسلم ١ / ١٣٣.