والتصديق من غير تصوّر ، فلا بدّ من تحقيق هذا القول.
فنقول : لا شبهة في أنّ إعراض أصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ عن رواية واصلة إلينا بواسطتهم مع شدّة اهتمامهم بالتعبّد بما وصل إليهم من الأئمّة عليهمالسلام مانع من حصول الوثوق بكون ما تضمّنته تلك الرواية بظاهرها حكما شرعيّا واقعيّا ، وكلّما ازدادت الرواية قوّة من حيث السند والدلالة والسلامة من المعارض المكافئ ـ كما فيما نحن فيه ـ ازدادت وهنا ، فيكون إعراضهم عن الرواية أمارة إجماليّة كاشفة عن خلل فيها من حيث الصدور أو جهة الصدور أو الدلالة ، أو من حيث ابتلائها بمعارض أقوى.
لكنّك خبير بعدم كونه موجبا للقطع بالخلل غالبا ، وعلى تقدير حصول القطع بذلك فلا بحث فيه ، لأنّ القاطع مجبول على اتّباع قطعه ، ولا يعقل أن يكلّف بالعمل برواية يقطع بعدم كون مضمونها حكم الله في حقّه.
ولكنّ الكلام إنّما هو بالنسبة إلى من لم يقطع بذلك بحيث يصحّ عقلا أن يتعبّد بالعمل بالخبر الذي أعرض عنه الأصحاب ، فإعراض الأصحاب عنه بالنسبة إليه أمارة ظنّيّة لا دليل على اعتبارها ، فإن أثّرت وهنا في الرواية من حيث السند بأن منعتها من إفادة الوثوق بصدورها ، سقطت الرواية عن الحجّيّة ، بناء على اعتبار الوثوق بالصدور في حجّيّة الخبر أو عدم وهنه بأمارة الخلاف ، وأمّا بناء على كفاية مجرّد وثاقة الراوي أو عدالته وعدم اشتراط الوثوق الشخصي في خصوصيّات الموارد فلا وجه لرفع اليد عنه بواسطة أمارة غير معتبرة ، كما أنّه لا وجه لرفع اليد عن دلالته أو ظهوره في كونه مسوقا لبيان الحكم الواقعي لذلك.