لترك غير الأهمّ بعد تنجّز التكليف بالأهمّ وإحراز توقّفه على ترك غير الأهمّ ، ولا يكفي في ذلك مجرّد الاحتمال المجامع للخوف ، كما في سائر الشبهات الموضوعيّة.
فالعمدة فيه لدى الخوف على النفس المحترمة الإجماع ـ كما صرّح به بعض (١) ـ وإطلاق الخبرين (٢) المتقدّمين ، بل قد عرفت أنّ مقتضى إطلاقهما جوازه عند خوف قلّة الماء والعطش مطلقا ولو على حيوان غير مملوك ممّا جرت العادة بسقيه عند العطش ، كما يؤيّد ذلك الوجه الاعتباري الذي تقدّمت الإشارة إليه من أنّ إطفاء حرّ الكبد من الظمأ في حدّ ذاته من الأمور المستحسنة المرغوبة لدى العقلاء بحيث يرونه من الأعذار المبيحة لترك جملة من مقاصدهم العقلائيّة ، فمن المستبعد جدّا أن لا يكون لدى الشارع كذلك بالنسبة إلى الطهارة المائيّة التي جعل لها بدلا اضطراريّا ، وهذا النحو من الاعتبار وإن لم يصلح مستندا لإثبات حكم شرعي لكنّه يفيد الوثوق بكون مناط الحكم هو خوف العطش مطلقا ، كما وقع التعبير به في النصّ وفتاوى الأصحاب ، وأنّه لا عبرة بتفسير من فسّره بما هو أخصّ من هذا المفهوم المطلق.
وكيف كان فالأظهر اطّراد الحكم في جميع موارد الخوف من العطش ولو على غير آدميّ من غير فرق بين أن يكون العطش ـ الذي يخاف منه ـ ممّا يؤدّي إلى الهلاك أو إلى المرض أو يشقّ تحمّله وإن أمن من ضرره ؛ لإطلاق الأدلّة.
نعم ، لا يعتنى بالخوف من العطش الذي يسهل تحمّله ؛ لانصرافها عنه ،
__________________
(١) انظر : جواهر الكلام ٥ : ١١٤.
(٢) أي : خبرا ابن سنان وسماعة ، المتقدّمان في ص ١٤٥ و ١٤٦.