.................................................................................................
______________________________________________________
من زرع إبراهيم وذريّة إسماعيل وأنزلنا حرما آمنا ، وجعلنا الحكام على النّاس ، وبارك لنا في بلدنا الّذي نحن فيه ، ثمَّ إنّ ابن أخي هذا ـ يعنى رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ ممّن لا يوزن برجل من قريش إلّا رجّح به ، ولا يقاس به رجل إلّا عظم عنه ، ولا عدل له في الخلق ، وإن كان مقلّا في المال ، فإن المال رفد جار (١) وظلّ زائل ، وله في خديجة رغبة ، ولها فيه رغبة ، وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها ، والمهر على في مالي الّذي سألتموه عاجلة وآجله وله ، وربّ هذا البيت حظ عظيم (٢) ودين شائع ورأي كامل ، ثمَّ سكت أبو طالب وتكلّم عمّها ، وتلجلج وقصر عن جواب أبي طالب وأدركه القطع والبهر وكان رجلا من القسيسين ، فقالت خديجة مبتدئة : يا عمّاه إنّك وإن كنت أولى بنفسي مني في الشّهود ، فلست أولى بي من نفسي (٣) قد زوّجتك يا محمّد نفسي والمهر عليّ في مالي ، فأمر عمّك فلينحر ناقة فليؤلم بها وأدخل على أهلك ، قال أبو طالب : اشهدوا عليها بقبولها محمّدا وضمانها المهر في مالها ، فقال بعض قريش : يا عجباه المهر على النّساء للرّجال ، فغضب أبو طالب غضبا شديدا ، وقام على قدميه ، وكان ممّن يهابه الرّجال ويكره غضبه ، فقال : إذا كانوا مثل ابن أخي هذه طلبت الرجال بأغلى الأثمان وأعظم المهر ،
__________________
وهو ابن عم خديجة ، اختلف في إسلامها ، وقال : الزرع : الولد.
(١) قوله (رفد جار) أي يجريه الله تعالى على عباده بقدر الضرورة والمصلحة ، وفي الفقيه وغيره (رزق حائل) اى متغير ، وهو أظهر.
(٢) قوله (حظّ) أي من الخير والكمال ، وفي الفقيه (خطر) وفي القاموس البهر بالضم انقطاع النفس من الإعياء ، وقال : القسّ بالفتح رئيس النصارى في العلم كالقسّيس.
(٣) قولها رضى الله عنها (وإن كنت أولى) أى إن كنت أولى بنفسي منى في الشهود ، أى محضر الناس عرفا ، فلست أولى بي واقعا ، أو إن كنت أولى في الحضور والتظلم بمحضر الناس ، فلست أولى في أصل الرضا والاختيار ، أو إن كنت قادرا على إهلاكى لكنني أولى بما اختار لنفسي ، والحاصل : أني أمكنك في إهلاكى ولا أمكنك في ترك هذا الأمر ، والأوسط أظهر. (مرآة العقول : ج ٢٠ ص ٩٨ و ٩٩).