في ذلك وأورد سيبويه (١) «وانتهوا خيرا لكم» وحسبك خيرا لك ، فيما وجب إضمار فعله ، ولعله سمع : انته وائت أمرا قاصدا باظهار ناصب «أمرا» ولم يسمع إظهار ناصب «خيرا لكم» وخيرا لك ، وإلا فالثلاثة متقاربة المعنى ، ومعنى : أمرا قاصدا : ذا قصد ، والقصد في الأمر خلاف القصور والإفراط ، قال :
٩٨ ـ كلا طرفي قصد الأمور ذميم (٢)
قوله : «أهلا» أي أتيت أهلا لا أجانب ، وسهلا أي وطئت مكانا سهلا عليك لا وعرا.
وقال المبرد : هي منصوبة على المصدر ، أي : رحبت بلادك مرحبا أي رحبا ، وأهلت أهلا أي تأهلت تأهّلا فقدر له فعلا وإن لم يكن له فعل كما قيل في نحو القهقري على نحو ما ذكرنا ، وسهل موضعك سهلا على وضع «سهلا» موضع سهولة.
ومن الواجب إضمار فعلها سماعا ، قولهم : هذا ولا زعماتك ، كأن المخاطب كان يزعم زعمات كاذبة ، فلما ظهر ما يخالف ذلك ، من قول عليه سيماء الصدق صادر من غيره ، قيل له : هذا ولا زعماتك ، أي هذا الحق ، ولا أتوهم زعماتك ويجوز أن يكون التقدير : أزعم هذا ولا أزعم زعماتك ، أو أزعم هذا ، ولا تزعم زعماتك.
ومنها قولهم : من أنت زيدا ، وأصله أن رجلا غير معروف بفضيلة يسعى بزيد ، وكان اسم رجل مشهور ، فأنكر ذلك عليه أي : من أنت ذاكرا زيدا أو تذكر زيدا ، وانتصاب ذاكرا على الحال من معنى : من أنت ، أي من تكون؟ كما قيل في : كيف
__________________
(١) الكتاب ج ١ ص ١٤٣.
(٢) ورد هذا الشطر وهو يجري مجرى المثل ، في قول شاعر لم يذكر أحد اسمه وإنما ورد في كتاب «العباب في شرح أبيات الآداب» كما قال البغدادي ألفه ابن سناء الملك وضمنه أبياتا واشطارا تتضمن حكما ومواعظ ، وهو عجز أحد بيتين هما :
عليك بأوساط الأمور فانها |
|
طريق إلى نهج الصواب قويم |
ولا تك فيها مفرطا أو مفرطا |
|
كلاطر في قصد الأمور ذميم |
وقد تضمن كثير من الشعر هذا الشطر. والله أعلم بحقيقة الحال.