عظيمة خربة ، فدخلتها أنظر فيها فرأيت بيتا مسقفا ، فيه روزنة ، في الروزنة (١) سلة ، ورأيت جرة فيها ماء ، ورأيت أثر وضوء. قلت لنفسي : إن لهذا البيت عامرا ، هذا رجل يكون بالنهار في الجبل ويأوي بالليل إلى هذا البيت ، فقلت لأصحابي : إن لي حاجة أحب أن تبيتوني الليلة في هذا المكان ، قالوا ؛ نعم ، فتأهبت حتى إذا صلّيت مع أصحابي المغرب قال : فقمت وجئت حتى دخلت ذلك البيت وجلست في ناحية البيت حتى اختلط الظلام ، فإذا أنا بشخص إنسان يجيء من نحو الجبل ، فجعل يدنو حتى قام على باب البيت ، فوضع يديه على عضادتي البيت فحمد الله بمحامد حسنة ثم سلّم فدخل ، فجلس ثم تناول السلة فأخذها ، فوضعها بين يديه ففتحها وأخرج منها شيئا ، فوضع ، ثم سمّى وأكل ، وجعل يحمد الله ويأكل ، حتى فرغ. فلما فرغ أعاد السلّة مكانها ، ثم قام فأذن ثم أقام ثم صلّى وصلّيت بصلاته ، فلما قضى صلاته وضع رأسه فنام غير كثير ثم قام فخرج يتباعد ثم رجع فأخذ الجرة فحلها ثم جاء فأعادها مكانها ثم توضأ ثم جاء فقام في المسجد فكبر ثم استعاذ فقرأ ، وقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة قراءة لم أسمع مثلها قط من أحد أحزن ، ولا يمر بآية فيها ذكر الجنّة إلّا وقف وسأل الله الجنة ، ولا يمر بآية فيها ذكر النار إلّا وقف وبكى وتعوذ بالله من النار ، ثم أوتر وأصبح. لما أصبح إذ ركع ركعتي الغداة ركعت أنا ، ثم أقام وصلّى الغداة وصلّيت بصلاته.
قال أبو غالب : ثم قمت رويدا فخرجت لم يشعر بي ثم جئت وسلّمت فردّ عليّ السّلام. قال : قلت : أدخل؟ قال : [ادخل ، قال :](٢) فدخلت فقلت له : أجنيّ أنت أم إنسي؟ قال : سبحان الله بل إنسي ، قلت : فما أنزلك هاهنا؟ قال : ما لك ولذلك؟ قال : كلّمته وقبلته ، فجعل يكتمني أمره ، قال : قلت : إني بت الليلة معك في بيتك قال : خنتني ، قلت : ما خنتك قال : قد فعلت ، قلت : يرحمك الله إنّي لم أضع ذلك لبأس ، إنّي أخوك ، وإني طالب خير وليس عليك من بأس. قال : فسكن. قلت : حدّثني ممن أنت؟ قال : أنا من أهل الكوفة. قلت : فمذ كم مكثت هنا؟ قال : من سبع سنين ، قلت : فما عيشك؟ قال : الله يرزقني ، قلت : على ذاك ما عيشك؟ قال : لا أشتهي شيئا بالنهار إلّا وجدته في سلتي ، قلت : والطري؟ يعني السّمك ، قال : والطري ، قلت : كيف
__________________
(١) الروزنة : الكوة.
(٢) ما بين معكوفتين زيادة عن مختصر ابن منظور ٦ / ٢٨٧.