ثم أنشدها إلى آخرها ، وهو يمدح فيها المأمون فاستزدناه فأنشدنا قصيدته التي أوّلها (١) :
قدك اتئب أربيت في الغلواء |
|
كم تعذلون وأنتم سجرائي |
حتى انتهى إلى آخرها. فقلنا له : لمن هذا الشعر؟ قال : لمن أنشدكموه. قلنا : ومن تكون؟ قال : أنا أبو تمام حبيب بن أوس الطائي فقال له أبو الشيص : تزعم أنّ هذا الشعر لك وتقول :
تغاير الشعر فيه إذ سهرت (٢) له |
|
حتى ظننت قوافيه ستقتتل |
قال : نعم ، لأني سهرت في مدح ملك ، ولم أسهر في مدح سوقة ، فرفعناه حتى صار معنا في موضعنا ولم نزل نتهاداه بيننا ، وجعلناه كأحدنا ، واشتد إعجابنا لدماثته وظرفه وكرمه وحسن طبعه وجودة شعره ، وكان ذلك اليوم أول يوم عرفناه فيه ، ثم تراقت حاله حتى كان من أمره ما كان.
ـ زاد ابن كادش : قال القاضي (٣) : قول أبي تمام :
يا مذل ، المذل : الفتور والخدر.
قال الشاعر :
وإن مذلت رجلي دعوتك أشتكي |
|
بدعواك من مذل بها فيهون (٤) |
وقوله :
حتى ظننت قوافيها ستقتتل
أسكن الياء وحقّها النصب لضرورة الشعر ، وقد جاء مثله في كثير من العربية ، ومن ذلك قول الأعشى (٥) :
__________________
(١) مطلع قصيدة يمدح يحيى بن ثابت ديوانه ص ١٤.
(٢) بالأصل «شهدت».
(٣) هو القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا صاحب كتاب الجليس الصالح الكافي ، وتتمة الخبر في كتابه ٢ / ٢٦٧.
(٤) البيت في اللسان (مذل) ولم ينسبه وباختلاف الرواية ، وسكّن الذال في مذل للضرورة.
(٥) البيت في ديوان الأعشى ط بيروت ص ٤٤.