الليل وهم في واد وحش مخيف قفر (١). فقال (٢) له أصحابه : يا أبا كلاب ، قم فاتّخذ لنفسك ولأصحابك أمانا ، فقام الحجّاج فجعل يطوف حولهم (٣) يطوف ويكلؤهم ويقول (٤) :
أعيذ نفسي وأعيذ أصحاب (٥) |
|
من كلّ جنيّ بهذا النّقب |
حتى أءوب سالما وركب |
|
حتى أءوب سالما وركب (٦) |
قال : فسمع صوت قائل يقول : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا ، لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ)(٧) قال : فلما قدموا مكة خبر بذلك في نادي قريش فقالوا : صدقت والله يا أبا كلاب ، صدقت والله يا أبا كلاب ، إنّ هذا ممّا يزعم محمّد أنه أنزل عليه قال : قد والله سمعته وسمعه هؤلاء معي ، فبينما هم كذلك إذ جاء العاص بن وائل فقالوا له : يا أبا هشام ، أما تسمع ما يقول أبا كلاب قال : وما يقول؟ فخبره بذلك ، فقال : وما يعجبكم من ذلك إن الذي سمع هناك هو الذي ألقاه على لسان محمد ، فنهنه ذلك القوم عني ، ولم يزدني في الأمر إلّا بصيرة ، فسألت عن النبي صلىاللهعليهوسلم فأخبرت أنه قد خرج من مكة إلى المدينة ، فركبت راحلتي وانطلقت حتى أتيت النبي صلىاللهعليهوسلم بالمدينة ، فأخبرته بما سمعت فقال : «سمعت هو والله الحق ، هو [و] الله من كلام ربي عزوجل الذي أنزل عليّ ، ولقد سمعت حقا يا أبا كلاب» فقلت : يا رسول الله علّمني الإسلام ، فشهدني كلمة الإخلاص وقال : «سر إلى قومك فادعهم إلى مثل ما أدعوك إليه ، فإنه الحق» ، انتهى [٢٩١٢].
أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنبأنا أبو طاهر أحمد بن الحسن وأبو الفضل بن خيرون حينئذ ، وأخبرنا أبو العزّ ثابت بن منصور ، أنبأنا أبو طاهر ، قالا : أنبأنا محمّد بن الحسن بن أحمد ، أنبأنا محمّد بن أحمد بن إسحاق ، نبأنا عمر بن أحمد بن إسحاق ،
__________________
(١) في الاستيعاب ١ / ٣٤٤ قعد.
(٢) بالأصل «فقالوا».
(٣) بالأصل «حولهم يطوف» والمثبت عن الاستيعاب وأسد الغابة.
(٤) في الاستيعاب ١ / ٣٤٥ وأسد الغابة ١ / ٤٥٧ والوافي بالوفيات ١١ / ٣١٨.
(٥) في المصادر : صحبي.
(٦) كذا ورد الشطر مكررا بالأصل ، وفي المصادر «وركبي».
(٧) سورة الرحمن ، الآية : ٣٣.