قال : فأنشدني من رجزك ، فكأني ـ والله ـ لمّا قال لي ذلك لم أقل رجزا قط ، أنسانيه الله كلّه ، فما ذكرت منه ولا من غيره شيئا إلّا أرجوزة لرؤبة ، وقد كان قالها في تلك السنة ، فظننت أنها لم تبلغ مسلمة ، فأنشدته إياها ، فنكس وتتعتعت فرفع رأسه إليّ وقال : لا تتعب نفسك فإني أروى لها منك. قال : فانصرفت وأنا أكذب الناس عنده ، وأخزاهم عند نفسي ، حتى تلطّفت بعد ذلك ومدحته برجز كثير ، فعرفني وقرّبني ، وما رأيت ذلك [أثر](١) فيه ولا قرّعني به حتى افترقنا.
أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، أنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنا جدّي أبو بكر ، أنا عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن زبر ، نا أحمد بن عبيد بن ناصح ، حدّثني الأصمعي ، حدّثني عبيد الله بن سالم قال : دخل عليّ أبو نخيلة وأنا في قبّة تركية مظلمة ، ودخل رؤبة فقعد في ناحية منها ولا يشعر كلّ واحد منهما بمكان صاحبه وقد قلنا لأبي نخيلة أنشدنا ، فأنشد هذه ـ وانتحلها لنفسه ـ.
هاجك من أروى بمنهاص الفكك |
|
همّ إذا لم يعده همّ فتك |
وقد أرتنا حسنها ذات المسك |
|
شادخة الغرّة زهر (٢) الضحك |
تبلّج الزهراء في جنح الدّلك |
|
يا حلم (٣) الوارث عن عبد الملك |
أريت إن لم يحب حبو المعتبك |
|
أنت بإذن الله إن لم تترك |
مفتاح حاجات انحناهنّ بك |
|
الذّخر فيها عندنا والأجر لك |
قال : ورؤبة يئط ويزحر ، فلما فرغ ، قال رؤبة : كيف أنتم أبا نخيلة؟ فقال : يا سوأتاه ألا أراك هاهنا؟ إن هذا كبيرنا الذي يعلمنا. فقال له رؤبة : إذا أتيت الشام فخذ منه ما شئت ، وما دمت بالعراق فإيّاك وإيّاه.
قال : ونزل رؤبة بماء من المياه فنحر جزورا فقسمها بين أهل الماء وترك امرأة من بني خداجة بن فقيم لم يرسل إليها بشيء فرجزت به فقالت :
إن دعا غالب هماما |
|
أنكرت منه شعرا تواما |
__________________
(١) سقطت من الأصل وم واستدركت عن الأغاني.
(٢) كذا ، وفي المختصر ٤ / ١٩٣ «زاهراء».
(٣) المختصر : يا حكم.