أبا عبد الرّحمن ، ربما أسمع شيئا من جمّال أو غيره حكمة ، أثبته كي لا أنسى.
قال : وكان سنة من السنين قحط ، فخرج الناس إلى الاستسقاء (١) إلى المصلّى ، فلما ارتفع النهار جاء غبار وريح وظلمة لا يستطيع أن يرى أحد أحدا (٢) من شدة الغبار ونحن مع الأستاذ أبي القاسم ، فقال لنا الأستاذ : جئنا بأبدان مظلمة وقلوب غافلة ، ودعاء بلسان مثل الريح ، فنحن نكيل ريحا فيكال علينا ريح.
فلما كان الغد خرج وكان فقيرا ليس وراءه دنيا ، ولكن له جاه عند الناس ، فدخل عليه أبناء الدنيا وأخذ منهم شيئا ، وأمر بشراء بقرة وكثير من لحم الغنم والأرز ، وآلات الحلواء ، وأمر مناديا في البلد : ألا من كان له حاجة في الخبز واللحم والحلوى ، فليمض غدا [إلى](٣) المصلّى.
وأمر بالمراجل حتى حملت إلى المصلّى فلما كان [الغد](٤) خرجنا معه وأمر بطبخ المرقة والأرز والحلواء ، وجاءوا بخبز كثير ، وجاء الفقراء من الرجال والنساء والصبيان وأكلوا وحملوا إلى وقت العصر ، فلما صلّينا العصر إذا في قطعة سحاب ، فقال لنا : شمّروا حتى نرجع فجاء الحمّالون فأخذوا الآلات ورجعوا وأصحابه معهم ، وبقي هو وأنا معه وهو صائم وأنا أيضا لأجل موافقته ، فرجعنا فلما بلغنا إلى محلة جودي (٥) كان قريبا من صلاة المغرب ، فمطرنا مطرا لا نستطيع المضيّ بحال ، فطلبنا مسجدا فدخلناه ، وجاء المطر كأفواه القرب ، والمسجد يكفّ بالمطر ، وفي جداره محراب ، فدخل الأستاذ المحراب وصلّينا ، وأنا في زاوية في المسجد ، وقال : لعلك جائع تريد أن أطلب من الأبواب كسرة حتى تأكل؟ فقلت : معاذ الله ، أنا ساكن. قال غدا لناظريه قريب ، وكان يترنم مع نفسه (٦) :
خرجوا ليستسقوا (٧) فقلت لهم : قفوا |
|
دمعي ينوب لكم عن الأنواء |
__________________
(١) بالأصل «الاستقاء» والصواب عن م.
(٢) بالأصل «أحد» والصواب ما أثبت عن م.
(٣) زيادة لازمة وفي م : فليحضر غدا المصلى.
(٤) زيادة عن مختصر ابن منظور ٤ / ١٠٩.
(٥) كذا ، ولم أجدها ، ولعلها إحدى محالّ نيسابور ، (عن هامش المختصر).
(٦) البيتان في السير ١٦ / ٢٦٦ وطبقات الأولياء لابن الملقن ص ٢٨.
(٧) بالأصل «ليستقوا» والمثبت عن م وسير الأعلام.