١ ـ السرّ المتعلّق بالمريض وما يكشفه لطبيبه ، وهذا تقدّم الكلام عنه.
٢ ـ السرّ المتعلّق بالأدوية القاتلة أو السامّة أو الضارة.
وهذا الأمر الثاني واجب كما يجب كتم اسرار المريض ، فيجب على الطبيب أن لا يكشف عن الأدوية القاتلة أو السامّة أو الضارة لمن يسي استعمالها مطلقاً.
والسرّ في هذا الوجوب هو : أنّ الطبَّ الذي أوجب الله سبحانه وتعالى على العباد تعلّمه وجوباً كفائياً ، وقد يكون عينياً في بعض الحالات إنّما هو لأجل خدمة الإنسانية ولتخفيف آلامها ، فإذا عرفنا أن التعريف ببعض الأدوية القاتلة أو الضارة يؤدّي إلى إسائة استعمالها فيكون الطب حينئذ وبالا على الإنسانية وضرراً كبيراً قد يؤدّي إلى قتل النفوس واشاعة المرض ، لذا لا ترضى الشريعة بكشف اسرار الدواء لمن يسيء استعماله حتى لا يكون الطبيب الذي اُريد له أن يكون عامل رخاء في المجتمع مساعداً لزيادة آلام البشر بإعطاء هذا السرّ لمن يسيء استعماله. وقد ورد عن الإمام علي عليهالسلام قوله : « ثلاثة لا يُستحى من الكتم عليها : المال لنفي التهمة ، والجوهر لنفاسته ، الدواء للاحتياط من العدو » (١) والمراد بالعدو هنا من يسيء استعمال الدواء.
قد يقال : إنّ العقوبة في هذه الصورة منوطة بنظر الحاكم الشرعي في تعزير وتأديب الطبيب ، وقد يكون التأديب بالتأنيب أو عدم مزاولة مهنته لمدّة معينة ، أو الحبس أو الضرب كبقية المحرمات التي تصدر من الفرد المخالف للشرع. وقد تكون الطلب بتعويض عما اُلحق بالمريض وسمعته من جرّاء الاباحة بسرّ مرضه.
__________________
(١) شرح نهج البلاغة للمعتزلي : ج ٢ ، ص ٢٨٩.