.................................................................................................
______________________________________________________
مقدّمة ثانية ، وهي : أنّ وظيفة القضاة لم تكن مقصورة على حسم المنازعات فحسب ، بل كان المتعارف والمتداول لدى قضاة العامّة التدخّل في جميع الشؤون التي تبتلى بها العامّة ، ومنها : التعرّض لأمر الهلال ، حيث إنّهم كانوا يتدخّلون فيه بلا ريب ، وكان الناس يعملون على طبق قضائهم في جميع البلدان الإسلاميّة ، فإذا كان هذا من شؤون القضاء عند العامّة وثبت أنّ الإمام (عليه السلام) نصب شخصاً قاضياً فجميع تلك المناصب تثبت له بطبيعة الحال ، فلهذا القاضي ما لقضاة العامّة ، ومنه الحكم في الهلال ، كما هو المتعارف في زماننا هذا تبعاً للأزمنة السابقة ، لما بين الأمرين من الملازمة الخارجيّة حسبما عرفت.
ولكنّك خبير بأنّ هذه المقدّمة أيضاً غير بيّنة ولا مبيّنة ، لعدم كونها من الواضحات الوجدانيّات ، فإنّ مجرّد تصدّي قضاة العامّة لأمر الهلال خارجاً يكشف عن كونه من وظائف القضاء في الشريعة المقدّسة ، حتّى يدلّ نصب أحدٍ قاضياً على كون حكمه في الهلال ماضياً بالدلالة الالتزاميّة ، ولعلّهم ابتدعوا هذا المنصب لأنفسهم كسائر بدعهم ، فلا يصحّ الاحتجاج بعملهم بوجه بعد أن كانت الملازمة المزبورة خارجيّة محضة ولم يثبت كونها شرعيّة.
وملخّص الكلام في المقام : أنّ إعطاء الإمام (عليه السلام) منصب القضاء للعلماء أو لغيرهم لم يثبت بأيّ دليل لفظي معتبر ليتمسّك بإطلاقه.
نعم ، بما أنّا نقطع بوجوبه الكفائي ، لتوقّف حفظ النظام المادّي والمعنوي عليه ، ولولاه لاختلّت نظم الاجتماع ، لكثرة التنازع والترافع في الأموال وشبهها من الزواج والطلاق والمواريث ونحوها ، والقدر المتيقّن ممّن ثبت له الوجوب المزبور هو المجتهد الجامع للشرائط. فلا جرم يُقطع بكونه منصوباً من قبل الشارع المقدّس ، أمّا غيره فلا دليل عليه.
ومن ثمّ اعتبر الفقهاء الاجتهاد في القاضي المنصوب زائداً على بقيّة الشرائط ،