.................................................................................................
______________________________________________________
فربّما يقال بأنّها معارضة لما سبق ، لدلالتها على أنّ السماء إذا لم تكن فيها علّة لا تقبل شهادة الاثنين حينئذٍ ولا الأكثر.
ولكن التأمّل يقضي بعدم المعارضة ، لأنّها بصدد بيان عدم جواز العمل بالظنّ كما عنون (عليه السلام) كلامه بذلك ، فالمقصود إنّما هو المنع عن التظنّي في فريضة رمضان ولزوم تحصيل العلم ، ولذا لم تفرض العدالة في الأقلّ من الخمسين ، ولا بدّ من حمل هذا العدد على المثال ، وإلّا فلا يمكن أن يقال : إنّ الخمسين يوجب العلم ، وتسعة وأربعين لا يوجبه ، فالمراد التمثيل بعدد يستوجب حصول العلم عادةً.
وكيفما كان ، فهي مسوقة لبيان عدم حجّيّة الظنّ ، لا عدم حجّيّة البيّنة ، فلا تنافي دليل اعتبارها بوجه.
وممّا يؤكّد ذلك أنّه (عليه السلام) حكم بقبول الشهادة إذا كانت في السماء علّة فيما إذا قدم الشاهدان من خارج المصر ، إذ نسأل حينئذٍ : أنّ المحلّ الذي يقدم الشاهدان منه هل في سمائه أيضاً علّة أو لا؟ فعلى الأوّل كان حاله حال البلد فكيف لا تقبل شهادة الرجلين من البلد وتقبل من خارجه؟! وعلى الثاني وهو المتعيّن يلزمه قبول الشاهدين من البلد أيضاً إذا لم يكن في سمائه علّة ، إذ التفكيك بينهما بقبول شاهدي الخارج دون الداخل مع تساويهما في عدم العلّة غير قابل للتصديق.
فلا تعارض الصحيحة حجّيّة البيّنة أبداً ، بل تؤكّدها حسبما عرفت.
ولو تنازلنا وسلمنا المعارضة فحيث لا يمكن حمل نصوص الحجّيّة على ما إذا كانت في السماء علّة وكانت البيّنة من الخارج ، للزوم التخصيص بالفرد النادر كما لا يخفى ، فلا مناص من التساقط ، والمرجع بعدئذٍ إطلاقات حجّيّة البيّنة العامّة.