.................................................................................................
______________________________________________________
البعد لا محالة ، ولو فرض وقوعه في مصر كما هو مورد الرواية المتقدّمة سيما إذا كان من البلدان الكبيرة فربما لا يصل الصوت إلى آخر البلد فضلاً عن خارجه أو أنّه ينقطع لدى الابتعاد عنه قليلاً كمائة متر أو مائتين ، مع أنّ الجدران أو البيوت بعد ظاهرة لا تخفى إلّا بعد طيّ مسافة بعيدة.
والحاصل : أنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ شعاع الصوت أقصر من شعاع البصر فينقطع السماع أوّلاً ثمّ بعد مدّة تخفى الجدران ويتوارى عن البيوت.
فعليه لا يمكن الالتزام بأنّ الحدّ أحد الأمرين ، إذ مرجعه إلى أنّ العبرة بالأوّل أعني عدم السماع. كما لا يمكن الالتزام بأنّه مجموع الأمرين ، إذ مرجعه إلى أنّ العبرة بالأخير ، وهو التواري والخفاء ، بل لا بدّ وأن يكون الحدّ إمّا هذا أو ذاك فطبعاً تقع المعارضة بين الدليلين ، لتعذّر الجمع بينهما بارتكاب التقييد في المفهوم أو المنطوق لا بنحو العطف بالواو ، ولا بنحو العطف بـ (أو) فلا بدّ من العلاج.
وملخّص الكلام : أنّ الروايات ظاهرة في أنّها مسوقة لبيان المعرّف ، وأنّ العبرة بنفس البعد كما فهمه الفقهاء ، ولا عبرة بالتواري الأصلي منه والتبعي من جبل أو غيم أو ظلمة أو عمى ونحو ذلك ، كما لا عبرة بعدم السماع. وبما أنّه يحصل قبل الخفاء دائماً فيقع التنافي بين الحدّين والمعارضة بين الدليلين ، فلا بدّ من التصدّي لعلاجها.
فنقول : يمكن أن يقال في مقام الجمع بين الأخبار : إنّ الحدّ الواقعي هو بلوغ البعد بمقدار لا يسمع الأذان كما تضمّنته النصوص الكثيرة ، إلّا أنّ معرفة ذلك وتشخيصه لكلّ أحد ممّا لا يتيسّر غالباً ، فانّ السفر في وقت الأذان نادر جدّاً ولا سيما في الأزمنة السابقة التي كان السير فيها بواسطة الدواب والجمال ، مع أنّه ليس كلّ بلد يؤذّن فيه بحيث يسمع أذانه من دون مانع من ريح عاصف أو مطر هاطل ونحوهما.