جعل لهم السبيل إلى تركه ، ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلّا بإذن الله (١).
وجعل السبيل والاختيار من حيث الإفاضة واللطف لا ينافي نقص الاستعداد عن قبول ذلك ، والنقص من جهة القابل لا يوجب الظلم من المفيض.
وهذا هو الأمر بين الأمرين الّذي أشار إليه الصادق عليه السلام وغيره من المعصومين ، فإنّه تعالى ما أجبرهم على ذلك الاختيار والإرادة ، بل أفاض عليهم بإفاضة واحدة ، وما فوّض إليهم الأمر ، بل أعطاهم الوجود الّذي من لوازمه تلك الأمور ، فلا جبر ولا تفويض ، بل أمر بين الأمرين. وهو الإيجاد ومقام الاستعداد للضلالة والرشاد الّذي اختلفت فيه مهيّات العباد.
هذا عامّة شرح ما يمكن أن يقال في هذا المجال ، ولكنّ الإنصاف أنّ هذه المسألة من فروع مسألة القدر الّذي هو السرّ المستسرّ ، وقد قيل إنّه من الأسرار الّتي تعلم ولا يتكلّم بها ، ولكنّي أقول : إنّه ممّا لا يعلم ولا يتكلّم به ، وإنّما نعلم في ذلك هو العدل الإلهيّ ، فهو المطمأنّ به في كلّ باب. فالحمد لله العليّ الوهّاب.
البارقة الخامسة : قوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) كأنّه تعليل لما تقدّم من أنّ العباد لا يريدون شيئا إلّا ما هو المطابق للعلم الأزليّ ، فإنّه تعالى هو العليم بكلّ شيء قبل وجود كلّ شيء كما قال : علم بما كان قبل أن يكون ... إلى آخره.
فالقول بأنّ العلم يتعلّق بالمعلوم بعد وجوده ، بمعزل عن التحقيق ، لاستلزامه نفي العلم الأزليّ.
__________________
(١) الكافي ١ : ١٥٨.