باب التغليب واسع ، ولا يخفى أنّه لا حاجة إلى ذلك الاعتذار لو فسّرت النطفة بالمادّة منيّا كانت أو غيرها ، وسيأتي إلى ذلك الإشارة إن شاء الله.
الاولى : في نسبته تعالى خلق الإنسان إلى نفسه إشارة إلى ما هو المقرّر في مقامه ؛ من أنّ الممكن الحادث محتاج إلى المؤثّر القديم ، فلا يمكن له الوجود بنفسه من غير تأثير المؤثّر الواجب.
وادّعى جماعة من الحكماء على ذلك أنّه ضروريّ أوّليّ ، فإنّ العقل بعد تصوّر الممكن من حيث يتساوى طرفاه بالنظر إلى ذاته ، وتصوّر المؤثّر المرجّح لأحد الطرفين على الآخر يجزم بأنّ الممكن محتاج في حصول الوجود أو العدم إلى المرجّح ويحكم ببداهة ذلك.
وبعضهم جعلوا بطلان وجود الممكن بنفسه من غير حاجة إلى العلّة القديمة نظريّا ، واستدلّوا عليه بوجوه كثيرة لا يخلو بعضها عن وهن.
منها : أنّ مهيّة الممكن تقتضي تساوي الطرفين ، ووقوع أحدهما بلا مرجّح مستلزم لرجحانه ، وهو مناف للفرض.
ومنها : أنّ الواجب ما كان بذاته منشأ لانتزاع الوجود من غير حاجة إلى العلّة ، والممتنع ما كان ذاته منشأ لانتزاع العدم من غير حاجة إلى شيء آخر ، والممكن ما ليس ذاته منشأ لانتزاع شيء من الوجود والعدم ، بل طريان كلّ منهما له محتاج إلى ضمّ علّة ، فلو كان ذاته بذاته منشأ لانتزاع الوجود من غير حاجة إلى ضمّ علّة لزم كونه واجبا ، فإنّ المستغني بنفس ذاته عن العلّة مطلقا هو الواجب القديم الّذي يعبّر عنه المشّائيّون بالوجود الحقيقيّ.