ألا ترى أنّ السلطان لا يبعث الحاكم إلى بلاده إلّا لرفع الفساد ، ودفع عتوّ العاتين ، ولا يخفى أنّ ذلك المذهب في غاية السخافة ، والجواب عنه واضح على من تدبّر.
ومنها : إنّهم بعثوا لهداية المؤمنين خاصّة ، فإنّ الكفّار قد سبق في علمه تعالى أنّهم لا يؤمنون ، فكان الغرض الأصليّ من البعث هو دعوة المؤمنين إلى طرق الهداية ، وفي ذلك المذهب أيضا ما لا يخفى.
ومنها : إنّه كما يكون بين أسماء الحقّ تضادّ وتقابل كذلك يكون ذلك بين مظاهر الأسماء ؛ إذا للأسماء الإلهيّة قضيّة الظهور في مظاهر الأكوان والبروز في مجالي الأعيان ، فكما أنّ الأسماء الجماليّة تقتضي البروز والاشتهار ، كذلك الأسماء الجلاليّة تقتضي الظهور والإظهار ، وكما أنّ اسم الهادي يتحلّى في مجالي المؤمنين والأبرار ، كذلك المضلّ يظهر في مظاهر المشركين والكفّار ، كذا قيل.
فيجب أن يكون بين المظاهر المختلفة حاكم عدل يميّز بينها ، ويفصل حقّها عن باطلها ، ويظهر حقائقها ليطّلع العارفون على حقائق كلّ شيء ، وعلى الأسماء المربّية لكلّ شيء ، فإنّ لكلّ اسم مظهر في ذلك العالم يربّيه بتأثيره الكامن فيه ؛ وهو الأنبياء الّذين كنفس واحدة ؛ كما عرفت ، فالغرض من بعثتهم هو إبراز السعادة والشقاوة خاصّة.
الأولى : المراد بالهداية في تلك الآية هو إراءة الطريق بقرينة التفصيل ، وتطلق على الإيصال أيضا ، وهو غير مراد من الآية قطعا ؛ إذ لا وجه للتفصيل