صرفنا إلى المقيّد فتدلّ الآية على نفي القدم مطلقا ؛ كما هو مسلك بعض المتكلّمين.
الاولى : ذكر بعض الحكماء أنّ الشيئيّة إنّما هي من المعقولات الثانية الّتي ليست لها هويّات خارجيّة متأصلة بذاتها ، متصوّرة بنفسها ، متعقّلة أوّل الأمر ، قائمة بموضوعاتها في الخارج بحيث يكون بإزائها شيء ، بل هي أمر انتزاعيّ ينتزعها العقل من المهيّة حين وجودها أو ثبوتها ، ومثلها الوجود والوحدة والكثرة والعلّيّة والمعلوليّة ونحو ذلك ، وذلك واضح.
وبرهانه : أنّ الشيئيّة المطلقة لو كانت متأصّلة لزم أن يكون بإزائها شيء في الخارج وليس ، فليس ، ويتفرّع على ذلك امتناع ثبوت شيء بلا خصوص المهيّة. والتفصيل يطلب من الحكمة.
الثانية : قال الطبرسيّ رحمه الله : «لم يكن شيئا» جملة في محلّ الرفع ، لأنّها صفة «حين» ، والتقدير : لم يكن فيه شيئا مذكورا (١).
أقول : ويحتمل أن يكون في محلّ النصب ، لكونها حالا من «الإنسان» والرابطة هي المستتر ، وهو الأولى لعدم الحاجة إلى التقدير.
الثالثة : قال بعض العارفين : إنّ الآية الشريفة تدلّ على بطلان القول بالتناسخ الّذي هو عبارة عن وجود شخص مرّة أخرى بعد وجوده في حين آخر ، وهكذا لأنّه لو وجد إنسان قبل وجوده الآن لم يصدق أنّه أتى عليه ، أي سبق على وجوده ومضى على ما هو إنسان بالقوّة زمان غير معيّن لم يكن فيه
__________________
(١) مجمع البيان ، المجلّد ٥ : ٦١١.