فمتى تحقّق لأحد منهم ذلك المقام بحقيقته لا يسقط عنه التكاليف أصلا ، لعدم الفائدة لها حينئذ ، لأنّ لها في ذلك المقام فوائد أخرى يدركها الفائز بها ، بل يتعرّج بها إلى مقام أعلى ممّا فيه ؛ إذ لا نهاية لكمال الإنسان ، ولا غاية لمقام ترقّيها ، بل يترقّى من مقام إلى آخر بسعيه وجهده ؛ كما قال : (لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (١) أما رأيت الأنبياء والكمّل كيف مع كمال مقامهم وفضلهم على غيرهم كانوا مواظبين على العبادات من الصلاة والصيام وغيرهما من الطاعات في الملاء والخلوات ، فيجب على غيرهم من الامّة متابعتهم في تلك الأمور بقدر القوّة والاستطاعة ، فإنّهم هم المقتدون الّذين جعلهم الله خلفاءه في بلاده لعباده :
آئينه ذات حق چو درويشانند |
|
از هر جهتى قبله ما ايشانند |
فكرم نرسد بگرد ايشان هرگز |
|
زانرو كه بسى بزرگ وعالى شانند |
والقول بأنّ مواظبتهم على تلك العبادات إنّما كانت لأجل تعليم الامّة الناقصة من باب الاضطرار لا لعبادة الحقّ تعالى كفر محض ، وقدح فيهم وفي إخلاصهم عليهم السلام لا يقول به إلّا الشقيّ الجاهل :
أتقدح فيمن شرّف الله قدره |
|
وما زال مخصوصا به طيّب الثنا |
رجال فهم سرّ مع الله صادق |
|
ولا أنت من ذاك القبيل ولا أنا |
والمتصوّفة الخبيثة الّذين يسمّون أنفسهم بالواصليّة يزعمون أنّ العبد إذا وصل بالحقّ وصار حقّا يسقط عنه التكاليف كلها ، فلا ينبغي له العبادات ،
__________________
(١) النجم : ٣٩.