والإرادة ، فإنّ إفاضته تعالى لكلّ ذلك كانت واحدة أيضا.
كيف لا وهذه من لوازم الوجود الّذي كان فيضه على الكلّ بالسويّة ، إلّا أنّ كلّا يقبل من تلك اللوازم ما هو مكنون في استعداده أزلا.
بمعنى أنّ الشقيّ يقبل الوجود مع الشقاوة ، وكذا السعيد يقبل الوجود مع السعادة ، فالنقص إنّما هو من قبل المهيّة ظهر أطواره بالوجود الّذي هو الفيض العامّ الإلهيّ ، وما ظلم الله تعالى شيئا حيث أوجده ، فإنّه ما أحدث جعلا حتّى يعترض الشقيّ بأنّه لم جعلتني كذا ولم تجعلني سعيدا ، بل أعطاه لباس الوجود بسؤاله بلسان الاستعداد ، فبرز ما كان مكنونا فيه أوّلا على التفصيل المقرّر المتقدّم (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١) أي ما أجبرهم على الشقاوة ، بل كانت مكنونة في ذاتيّاتهم.
وقال : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) (٢) أي بما قبلته ماهيّاتهم بحسب الاستعداد الأزليّ.
وقال : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) (٣) أي كان عاقبة الّذين كانت مهيّاتهم في الأزل مغروزة على الشقاوة والإساءة في ذلك المشهد الشقاوة والإساءة ؛ حيث كذّبوا بآيات الحقّ واستهزؤا بها ، فإنّ التكذيب من آثار الشقاوة الأزليّة.
والحاصل أنّ للأشياء ثبوتا أزليّا ؛ بمعنى كونها معلومة للحقّ ، متعلّقة
__________________
(١) آل عمران : ١١٧.
(٢) آل عمران : ١٨٢ ، الأنفال : ٥١.
(٣) الروم : ١٠.