أقول : وفيه نظر ، والمذهب لا يذهب إليه لسخافته ، ثمّ إذا اطّلعت على أقوال المسألة وما أورد عليها من وجوه النظر. فاعلم بأنّ هنا مسلكا آخر مشى عليه بعض من تقدّم وتأخّر ، لو صحّ مبناه لبان واتّضح طريق الجواب عن الشبهة المشهورة على أسهل الوجوه ، وأهون الطرق ، وهو أنّ الماهيات الإمكانيّة قد كانت مختلفة من حيث الاستعداد على التفصيل المقرّر في مقامه ، وكانت مستسرّة في غيب الغيوب بحيث لم يطّلع عليها شيء سوى علم الله المحيط بكلّ شيء إلى أن أقبلت على الله بإقبال الإمكان ، وسألت عنه الوجود بلسان الاستعداد فأفاض الله بقضيّة عدله الّذي هو إعطاء السائل سؤله ، والمستحقّ حقّه الوجود عليها إفاضة واحدة متساوية.
بمعنى أنّه تعالى لم يبخل بما سألته عنه ، كيف وهو الجواد المطلق ، والفيّاض الحقّ؟ فظهر كلّ منها بواسطة تلك الإفاضة على ما كان عليه من مقام الاستعداد.
بمعنى أنّ ذلك الوجود صار كاشفا عن هويّات المهيّات ، ومراتب إمكاناتهم واستعدادتها بأن كشف عن حقائق الكلّ بالصورة المناسبة لها ، والصفة المستعدّة تلك لها ، والغريزة الكامنة فيها ، وعرف ذاتيّاتها وآثارها الّتي تترتّب عليها ، فلا صنع للحقّ في الأشياء إلّا إيجادها وصبغ ماهيّاتها الثابتة الأزليّة بالوجود الطارئ.
بمعنى أنّ الماهيّات ذوات موصوفة ، أي مستعدّة للوصف ، والوجود صفتها العارضة لها بعد العدم ، لا بمعنى أنّ الماهيّة والوجود متقارنان تحقّقا في حين واحد بحيث انتفى التغاير بينهما في الخارج.