وهذا دليل على أنّه يفرّق بين المقدور وغير المقدور.
وأنت خبير بأنّ هذه الشناعة إنّما تلزم على من لا يثبت للعبد قدرة وإرادة أصلا ؛ كما نقل عن الحشويّة ، وما أظنّ أنّ عاقلا يقول به.
وأمّا الّذي يثبت القدرة والإرادة للعبد وينفي عنه التأثير ، فلا يرد عليه ذلك ؛ إذ القدر الضروريّ ثبوت القدرة والإرادة.
وأمّا أنّهما مؤثّران في الفعل حقيقة ، فليس بضروريّ أصلا ، لجواز أن يكون من الأسباب العاديّة ؛ كما يقوله الأشعريّ. ودعوى أنّ ذلك مكابرة مكابرة ، وذلك ممّا لا يعلمه العلّاف فضلا عن حمار بشر.
ومن هنا يعلم الفرق ، فإنّ الأوّل نفي القدرة والإرادة عن العبد ، والثاني نفي تأثير القدرة للعبد.
لا يقال : إنّ التأثير معتبر في القدرة.
لأنّا نقول : الأشعريّ يقسّم القدرة إلى المؤثّرة والكاسبة ، وما ذكرتم تعريف للقسم الأوّل ، لا مطلق القدرة. انتهى.
أقول : لا يخفى أنّ ما أنكره من أنّ الأشعريّ لا يقول بنفي القدرة ، بل هو ينفي تأثيرها ممّا ينكر عليه ، لاشتهار ذلك القول منهم أشدّ من اشتهار إبليس بالكفر.
كيف وقد ذكره المحقّقون في كتبهم ، وردّوا عليهم ، وناقضوا بمناقضات معروفة.
كيف وقد صرّح الصوفيّة من تلك الفرقة بذلك القول في كتبهم وأشعارهم وكلماتهم ، فإنكاره ناش عن قصور الفهم ، وقلّة التتبّع ، وتقليد