خلقه ، واستحكم بدنه ، وقوي أديمه على مباشرة الهواء ، وبصره على ملاقاة الضياء ، هاج الطلق بأمّه ، فأزعجه أشدّ إزعاج وأعنفه ، حتّى يولد.
فإذا ولد صرف ذلك الدم الّذي كان يغذوه من دم امّه إلى ثديها ، فانقلب الطعم واللون إلى ضرب آخر من الغذاء ، وهو أشدّ موافقة للمولود من الدم ، فيوافيه في وقت حاجته إليه ، فحين يولد قد تلمّظ شفتيه طلبا للرضاع ، فهو يجد ثدي امّه كالأداوتين المعلّقتين لحاجته ، فلا يزال يغتذي باللبن ما دام رطب البدن ، رقيق الأمعاء ، ليّن الأعضاء.
حتّى إذا تحرّك واحتاج إلى غذاء فيه صلابة ليشتدّ ويقوى بدنه طلعت له الطواحين من الأسنان والأضراس ليمضغ الطعام ، فيليّن عليه ، ويسهل له إساغته ، فلا يزال كذلك حتّى يدرك ... إلى آخره.
والحديث طويل ، والتصفيح فيه يزيد معرفة الجليل ، فإنّه تذكرة للعاقلين ، وتبصرة للعارفين ، فانظر فيه حتّى ينوّر قلبك بأنوار اليقين.
الثانية : في حذف المعادل إشارة إلى أنّه لا ينبغي لمن تذكّر وتفكّر في الآيات التدوينيّة والتكوينيّة أن يتّخذ سبيلا إلى غير ربّه ، فإنّه حينئذ يتّضح له طرق الهدى والرشاد ، والشرّ والفساد ، فيقطع بأولويّة اختيار الهدى على الضلال ، والإيمان على الكفر بعين الجمال.
وإلى أنّ المتذكّر بالآيات سالك إلى مسالك الحقّ لا محالة ؛ بخلاف من لا يتذكّر بها ، فإنّه لا يهتدي بهدي الله ، ولا يدخل بيت ولاية الله ، فيحرم عن مشاهدة نور الله ، ويحجب عن الاتّصال بعين حكمة الله ، ويبعد عن ساحة جمال الله ، ويطرد عن باب جلال الله ؛ بحيث لا يبقى له ذكر في حرم جوار