الحكمة المتعالية ، والمعارف الحاليّة ، ويتجلّى على هويّاتهم بذاته الشريفة تجلّيا ذاتيّا ساذجيّا شعشعانيّا يتحقّق به محو الموهومات ، وكشف أستار الحجابات ، فلا يرى العبد في الوجود سوى الحقّ لاستغراقه في يمّ التوحيد ، واحتراقه في شعلات التفريد.
وفي الوصف بالطهور ـ وهو صيغة المبالغة ـ إشارة إلى أنّ ذلك الشراب طاهر في نفسه من الأقذار والأكدار بحيث لم تدنّسها الأيدي ، ولم تدسه الأرجل كخمر الدنيا ، ومطهّر لمن شربه بأن يخلّصه عن الآلام والهموم ، ويجعل همومه كلّها همّا واحدا ، وحاله في خدمة الحقّ سرمدا.
فأيّ طاهر أبعد عن شائبة النجاسات من تلك الأنوار المبرّأة عن نجاسة الوهم والخيال ، وأيّ مطهّر أبلغ ممّا يخلّص العبد عن العلائق الوهميّة ، والشؤونات العرضيّة ، والتوجّهات الغيريّة ؛ بحيث يغمّض نظره عن كلّ ما في الإمكان ، ويصرفه عن كلّ شيء إلى حضرة المحبوب المنّان.
قال الصادق عليه السلام : إنّ الورقة منها ليستظلّ تحتها ألف رجل من الناس ، وعن يمين الشجرة عين مطهّرة مزكّية ؛ فيسقون منها شربة ، فيطهّر الله بها قلوبهم من الحسد ، ويسقط عن أبشارهم الشعر ، وذلك قول الله : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) من تلك العين المطهّرة ... (١) إلى آخره.
والمراد بالعين المطهّرة المزكّية هي ينبوع الحكمة الإلهيّة ، فإنّ من فاز به يصفو قلبه عن كلّ غلّ وحقد وحسد وضلالة وقساوة وغير ذلك من الأخلاق الرذيلة ، وتخصيص الحسد بالذكر مشعر بأنّه منشأ أكثر الأخلاق
__________________
(١) الكافي ٨ : ٩٥.