والشقاوة على السعادة ، فعذّبوا في جحيم البعد عن الحقّ ، وحوسبوا بما عملوا من خلاف الصدق ؛ كما قال : (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى * فَأَمَّا مَنْ طَغى * وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى * وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) (١).
أي يدرك الإنسان في ذلك اليوم حقائق ما كان ساعيا له في دار الدنيا إن خيرا فخيرا ، وإن شرّا فشرّا ، فأمّا من كان طاغيا مختارا للعصيان على الطاعة ، وآثرا للنعيم العاجل على النعيم الباقي الآجل ، فإنّ حقيقة فعله ذلك هي جحيم البعد عن الحقّ.
وأمّا من كان خائفا من ربّه ومن الحرمان من لقائه ، فإنّ حقيقة أمره هذا هي الجنّة.
الثالثة : المراد بالجزاء ما يترتّب على العمل ، فإن كان صالحا فما يترتّب عليه لا يكون إلّا لذّة باقية ، وجنّة صافية ؛ كما قال : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (٢) أي المترتّب على الإحسان هو حقيقة الإحسان وجوهره.
وقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً * أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ
__________________
(١) النازعات : ٣٥ ـ ٤١.
(٢) الرحمن : ٦٠.