الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) (١) أي تلك الدرجات والمقامات إنّما هي حقيقة إيمانهم وعملهم الصالح ، كما إنّ الدركات والتنزّلات حقيقة لكفر الفجّار وعملهم القبيح ؛ كما قال : (إِنَّا ، أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) (٢).
الرابعة : المراد بالصبر هو المجاهدة مع النفس ومنعها عن قضيّاتها وحبسها على طاعة الحقّ ؛ كما قال : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) ... (٣) إلى آخره ، والصبر بهذا المعنى أرفع مقامات الإنسان ، وأعلا مراتب ترقّيه ، ولذلك جعل سببا للجزاء ، وعلّة للفوز بمقام الصفاء.
كيف والإنسان بدون ذلك المقام ـ أي الصبر عن العمل بقضيّة النفس ـ خاسر غاية الخسران ؛ كما قال : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) (٤).
فالمجاهدة مع النفس بصبرها على الطاعات المقرّبة ومنعها عن المعاصي المبعّدة أفضل أعمال الإنسان ، فإنّها توصله إلى نهاية نهاية العرفان ، وتهديه إلى حقائق حقائق الإيمان ؛ كما قال : (فَالَّذِينَ هاجَرُوا) أي عن بلاد الطبيعة (وَجاهَدُوا) (٥) أي خالفوا نفوسهم (وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي) أي تحمّلوا المشاقّ في الطريق إلى معرفتي (وَقاتَلُوا) أي جادلوا أرباب القشور
__________________
(١) الكهف : ٣٠ ـ ٣١.
(٢) الكهف : ٢٩.
(٣) الكهف : ٢٨.
(٤) العصر : ٢ ـ ٣.
(٥) البقرة : ٢١٨.