إشارة إلى ما يحصل لهم في مقام الوصول من المراتب والمعارف الّتي يلتذّون بها ، فإنّ كمال نضرة العاشق وسروره إنّما هو في مصاحبته المعشوق ومحاضرته في مجلس الوصال.
كيف ولا شيء يسرّ العاشق سوى وصال المعشوق ، ولا لذّة ألذّ عنده من جماله ولقائه.
كيف ولذّة العاشق منحصرة في لذّة الوصال ، أتتعجّب من ذلك وقد تحقّق عند كلّ أحد أنّ العاشق يلتذّ بذكر المعشوق والكلام عنه ؛ كما قال :
أجد الملامة في هواك لذيذة |
|
حبّا لذكرك فليلمني اللّوم |
فكيف لا يلتذّ ولا يزيد سروره بالفوز بملاقاته الّذي هو منتهى منيته ، فهؤلاء الأبرار مستبشرون في يوم الوصال ، بكشف سبحات أنوار الجمال ؛ كما قال (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ * تَرْهَقُها قَتَرَةٌ * أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) (١).
ولا يخفى أنّ أرباب الوجوه المسفرة هم الأبرار الّذين صفت قلوبهم عن التعلّقات الغيريّة ، فإنّهم في ذلك اليوم مسرورين فرحين بما آتاهم الله من مقامات القرب ، ومراتب الجذب ، مستبشرين ببشرى داعي الحقّ إلى جنّات الأنس ، وبستان القدس.
وأمّا أصحاب الوجوه المغبرة فهم الكفرة الفجرة الّذين كدرت قلوبهم بصدى الجهل والقساوة وغبار العمى والضلالة ، حتّى نسوا الله في مقام الذكر ، وذكروا أعداءه في مقام النسيان ، فاختاروا البعد على القرب ،
__________________
(١) عبس : ٣٨ ـ ٤٢.