قال مروان لمَنْ قرب منه : أما ترون رماحهم كأنّها النخل غلظاً؟! أما ترون أعلامهم فوق هذه الإبل كأنّها قطع الغمام السود؟! فبينما هو ينظرها ويعجب ، إذ طارت قطعة عظيمة من الغربان السود ، فنزلت على أوّل عسكر عبد الله بن علي ، واتصل سوادها بسواد تلك الرايات والبنود ومروان ينظر ، فازداد تعجّبه وقال : أما ترون إلى السواد قد اتصل بالسواد ، حتّى صار الكل كالسحب السود المتكاثفة! ثمّ أقبل على رجل إلى جنبه فقال : ألا تعرّفني مَنْ صاحب جيشهم؟ فقال : عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. قال : ويحك! أمن ولد العباس هو؟ قال : نعم. قال : والله لوددت أن علي بن أبي طالب عليهالسلام مكانه في هذا الصف.
قال : يا أمير المؤمنين ، أتقول هذا لعلي مع شجاعته التي ملأ الدنيا ذكرها؟!
قال : ويحك! إنّ علياً مع شجاعته صاحب دين ، وإنّ الدين غير الملك ، وإنّا نروي عن قديمنا أنّه لا شيء لعلي ولا لولده في هذا. ثمّ قال : مَنْ هو من ولد العباس؟ قال : لمّا كان ساير عبد الله بن علي في آخر أيام بني اُميّة عبد الله بن حسن بن حسن ، ومعهما داود بن علي ، فقال داود لعبد الله بن الحسن : لِمَ لا تأمر ابنيك بالظهور؟ فقال عبد الله بن حسن : لم يأن لهما بعد. فالتفت إليه عبد الله بن علي ، فقال : أظنّك ترى أنّ ابنيك قاتلا مروان؟! فقال عبد الله بن حسن : إنّه ذلك.
قال : هيهات! ثمّ تمثل :
سيكفيكَ الجعالة مستميتٌ |
|
خفيفُ الحاذِ من فتيانِ جرمِ |
أنا والله أقتل مروان وأسلبه ملكه ، لا أنت ولا ولداك.
وروى أبو الفرج أيضاً : أنّ أبا العباس دعا بالغداء حين قتلوا ، وأمر ببساط فبسط عليهم ، وجلس فوقه يأكل وهم يضطربون تحته ، فلمّا فرغ قال : ما أعلم أنّي أكلت أكلة