ثورة زيد بن علي رحمهالله
قال البلاذري وهو يترجم لزيد بن علي رحمهالله : وقرأت في كتب سالم كاتب هشام كتاباً نسخته :
أمّا بعد ، فقد عرفت حال أهل الكوفة في حبِّهم أهل البيت ، ووضعهم إيّاهم في غير مواضعهم ؛ لافتراضهم على أنفسهم طاعتهم ، ووظَّفوا عليهم شرائع دينهم ، ونحلتهم إيّاهم عظيم ما هو كائن ممَّا استأثر الله بعلمه دونهم ، حتّى حملوهم على تفريق الجماعة والخروج على الأئمة. وقد قَدِم زيد بن علي على أمير المؤمنين في خصومة ، فرأى رجلاً جدلاً لسناً ، حوَّلاً قُلَّباً (١) ، خليقاً بصوغ الكلام وتمويهه ، واجترار الرجال بحلاوة لسانه ، وكثرة مخارجه في حججه ، وما يدلي به عند الخصام من العلو على الخصم بالقوَّة المؤدّية إلى الفلج رحمهالله ، فعجِّل إشخاصه إلى الحجاز ، ولا تدعه المقام قِبَلك ؛ فإنَّه إن أعاره القوم أسماعهم فحشاها من لين لفظه ، وحلاوة منطقه مع ما يدلي به من القرابة برسول الله صلىاللهعليهوآله ، وجدهم مُيَّلاً إليه (٢) ، غير مُتَّئِدة قلوبهم ، ولا ساكنة أحلامهم ، ولا مصونة عندهم أديانهم ، وبعض التحامل عليه فيه أذى له ، وإخراجه وتركه مع السلامة للجميع ، والحقن للدماء ، والأمن للفرقة أحبُّ إليَّ من أمر فيه سفك دمائهم ، وانتشار كلمتهم ، وقطع نسلهم. والجماعة حبل الله المتين ، ودين الله القويم ، وعروته الوثقى ، فادع إليك أشراف أهل المصر ، وأوعدهم العقوبة
__________________
(١) رجل حوَّل : ذو حيل ، كتاب العين.
(٢) إلى هنا ينتهي نصّ الكتاب لدى البلاذري ٣ / ٤٣٤.