السفاح ، فانتهينا إلى قبر هشام بن عبد الملك فاستخرجناه صحيحاً ، ما فقدنا منه إلاّ عرنين أنفه ، فضربه عبد الله بن علي ثمانين سوطاً ثمّ أحرقه ، واستخرجنا سليمان بن عبد الملك من أرض دابق فلم نجد منه شيئاً إلاّ صلبه ورأسه وأضلاعه فأحرقناه ، وفعلنا مثل ذلك بغيرهما من بني اُميّة ، وكانت قبورهم بقنسرين. ثمّ انتهينا إلى دمشق ، فاستخرجنا الوليد بن عبد الملك ، فما وجدنا في قبره قليلاً ولا كثيراً ، واحتفرنا عن عبد الملك فما وجدنا إلاّ شئون (١) رأسه ، ثمّ احتفرنا عن يزيد بن معاوية فلم نجد منه إلاّ عظماً واحداً ، ووجدنا من موضع نحره إلى قدمه خطّاً واحداً أسود كأنّما خطّ بالرماد في طول لحده ، وتتبعنا قبورهم في جميع البلدان ، فأحرقنا ما وجدنا فيها منهم.
قال ابن أبي الحديد : قرأت هذا الخبر على النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي بن عبد الله في سنة خمس وستمئة ، وقلت له : أمّا إحراق هشام بإحراق زيد فمفهوم ، فما معنى جلده ثمانين سوطاً؟ فقال رحمه الله تعالى : أظنّ عبد الله بن علي ذهب في ذلك إلى حدّ القذف ؛ لأنّه يُقال : إنّه قال لزيد : يابن الزانية لمّا سبّ أخاه محمداً الباقر عليهالسلام ، فسبّه زيد وقال له : سمّاه رسول الله صلىاللهعليهوآله الباقر وتسميه أنت البقرة! لشدّ ما اختلفتما! ولتخالفنّه في الآخرة كما خالفته في الدنيا ، فيرد الجنة وترد النار. وهذا استنباط لطيف.
قال مروان لكاتبه عبد الحميد بن يحيي حين أيقن بزوال ملكه : قد احتجت إلى أن تصير مع عدوّي وتظهر الغدر بي ؛ فإنّ إعجابهم ببلاغتك ، وحاجتهم إلى كتابتك تدعوهم إلى اصطناعك وتقريبك ، فإن استطعت أن تسعى لتنفعني في حياتي ، وإلاّ فلن تعجز عن حفظ حرمي بعد وفاتي.
لمّا أشرف عبد الله بن على يوم الزاب في المسودة ، وفي أوائلهم البنود السود تحملها الرجال على الجمال البخت ، وقد جعل لها بدلاً من القنا خشب الصفصاف (٢) والغرب ،
__________________
(١) الشئون : موصل قبائل الرأس ، واحد شأن.
(٢) الصفصاف : نوع من الشجر.