ثمّ أقبل على عبد الرحمن العنزي فقال : إيه يا أخا ربيعة! ما قولك في علي؟ قال : دعني ولا تسألني فإنّه خير لك. قال : والله لا أدعك حتّى تخبرني عنه. قال : أشهد أنّه كان من الذاكرين الله كثيراً ، ومن الآمرين بالحقّ ، والقائمين بالقسط ، والعافين عن الناس.
قال : فما قولك في عثمان؟ قال : هو أوّل مَنْ فتح باب الظلم ، وارتج أبواب الحقّ. قال : قتلت نفسك. قال : بل إياك قتلت ولا ربيعة بالوادي ـ يقول حين كلم شمر الخثعمي في كريم بن عفيف الخثعمي ، ولم يكن له أحد من قومه يكلمه فيه ـ فبعث به معاوية إلى زياد ، وكتب إليه : أمّا بعد ، فإنّ هذا العنزي شرّ مَنْ بعثت ، فعاقبه عقوبته التي هو أهلها ، واقتله شرّ قتلة. فلمّا قدم به على زياد بعث به زياد إلى قس الناطف فدُفن به حيّاً (١).
قال أبو مخنف : ولمّا حمل العنزي والخثعمي إلى معاوية قال العنزي لحجر : يا حجر ، لا يبعدنّك الله ، فنعم أخو الإسلام كنت. وقال الخثعمي : لا تبعد ولا تفقد ، فقد كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. ثمّ ذُهب بهما.
وروى أحمد في الزهد والحاكم (٢) من طريق ابن سيرين أنّ حجراً قال : لا تطلقوا عنّي حديداً ، ولا تغسلوا عنّي دماً ؛ فإنّي لاق معاوية بالجادة وإنّي مخاصم.
قال البلاذري : حدّثني هشام بن عمّار ، عن شرحبيل بن مسلم قال : أوصى حجر ، قال : ادفنوني وما أصاب الأرض من دمي ، ولا تطلقوا حديدي ؛ فإنّي سألقى معاوية غداً ، إنّي والله ما قتلت أحداً ، ولا أحدثت حدثاً ، ولا آويت محدِثاً (٣).
أصداءُ قتل حجر :
روى ابن أبي الدنيا والحاكم ، وعمر بن شبة من طريق ابن عون ، عن نافع ، قال : لمّا
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ / ٢٧٧ ، حوادث سنة ٥١.
(٢) في المستدرك ٣ / ٥٣٣.
(٣) أنساب الأشراف / القسم الرابع ، الجزء الأول / ٢٦٢.