ثانياً : وجود روايات صريحة صحيحة كثيرة مقابل هذه الأخبار الشاذّة النادرة ، وهذا كافٍ لإسقاطها عن الحجّية.
ثالثاً : إنّها مخالفة للعقل ، ولا يمكن القول بظاهرها من موحّد ، إلى غير ذلك من الوجوه الكثيرة ، التي لا غرض لنا هنا بإحصائها ، إذ لا نجد ثمّة ضرورة في ذلك.
والحاصل : إنّ عمدة الإشكال هنا أنّا لهم مع قوله تعالى : ( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ... ) (١) ، وقوله عزّ من قائل : ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٢) ، وقوله عزّ اسمه : ( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) (٣) وغيرها مثلاً وما أكثرها ، فكيف يردّ التعبير عنهم عليهمالسلام أمثال هذه الألفاظ التي يستشمّ منها الغلوّ والكفر ، والعياذ بالله.
ولبّ الجواب عليه ـ فضلاً عمّا سلف ـ هو : إنّه وردت في كتبنا روايات كثيرة عنهم عليهمالسلام صحيحة ، عندما ذكروا هذه الألفاظ فيها فسّروها لنا ، وقالوا : نقصد منها كذا ، فلو فسّرت بغير هذا من أيّ كان ، أو أخذ بظواهرها ، لكان ردّاً عليهم عليهمالسلام ، ولابدّ من الأخذ بتأويلهم وبما فسّروه ، وإلاّ لكان باطلاً لم يقصدوه ولا يريدوه ، بل تقوّل عليهم وافتراء ، مثال ذلك :
أ ـ قوله صلىاللهعليهوآله : « أنا الأوّل والآخر » ، ثمّ فسّره بقوله : « أوّل في النبوّة ، وآخر في البعثة » (٤).
ب ـ سئل أمير المؤمنين عليهالسلام : كيف أصبحت؟ فقال : « أصبحت وأنا الصدّيق الأوّل الأكبر ، والفاروق الأعظم ، وأنا وصيّ خير البشر ، وأنا الأوّل وأنا
____________
١ ـ النجم : ٤٣ ـ ٤٤.
٢ ـ الحديد : ٣.
٣ ـ البقرة : ٢٥٨.
٤ ـ إعلام الورى ١ / ٥١ ، كشف الغمّة ١ / ١٣.