أمّا الرواية الواردة من أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي فعل ذلك فهي صحيحة السند ؛ قال الزرقاني عند شرح قول مالك : « أنّه بلغه أنّ المؤذّن جاء إلى عمر بن الخطّاب يؤذّنه لصلاة الصبح فوجده نائماً فقال : « الصلاة خير من النوم » ، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح ، قال الزرقاني : هذا البلاغ أخرجه الدارقطني في السنن من طريق وكيع في مصنّفه عن العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر ، وأخرجه أيضاً عن سفيان عن محمّد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنّه قال لمؤذّنه : إذا بلغت حيّ على الفلاح في الفجر فقل : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم ، فقصر ابن عبد البرّ في قوله : لا أعلم هذا روي عن عمر من وجه يحتجّ به وتعلم صحّته ، وإنّما أخرجه ابن أبي شيبة من حديث هشام بن عروة عن رجل يقال له إسماعيل لا أعرفه قال : والتثويب محفوظ في أذان بلال وأبي محذورة في صلاة الصبح للنبيّ صلىاللهعليهوآله .
والمعنى هنا أنّ نداء الصبح موضع قوله لا هنا كأنّه كره أن يكون منه نداء آخر عند باب الأمير كما أحدثته الأمراء ، وإلّا فالتثويب أشهر عند العلماء والعامّة من أن يظنّ بعمر أنّه جهل ما سنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأمر به مؤذنيه بلالاً بالمدينة ، وأبا محذورة بمكّة انتهى .
ونحو تأويله قول الباجي : يحتمل أنّ عمر قال ذلك إنكاراً لاستعماله لفظة من ألفاظ الأذان في غيره ، وقال له : اجعلها فيه ، يعني لا تقلها في غيره انتهى ، وهو حسن متعيّن » (١) .
وأنت تلاحظ تأويل الباجي الذي لا يعرف صدره من عجزه ، فإنّه لفّ ودوران في الألفاظ ؛ لأنّ الرواية صريحة في أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي أدخل لفظ « الصلاة خير من النوم في الأذان » ، فكيف يأتي ويقول : لاستعماله لفظة من ألفاظ الأذان وغيره ... الخ ، والمفروض أنّه من ألفاظ غير الأذان !!
______________________
(١) شرح الزرقاني على الموطّأ ١ / ٢١٧ .