ونص على مجيئها لِلتَّبْعِيضِ ابن قتيبة في أدب الكاتب وأبو علي الفارسي وابن جني ،
ونقله الفارسي عن الأصمعي.
وقال ابن مالك
في شرح التسهيل : وتأتي الباء موافقة من التَّبْعِيضِيَّةِ ... إلى أن قال : وذهب إلى مجيء الباء بمعنى التَّبْعِيضِ الشافعي وهو من أئمة اللسان ، وقال بمقتضاه أحمد وأبو
حنيفة حيث لم يوجب التعميم بل اكتفى أحمد بمسح الأكثر وأبو حنيفة بمسح الربع ولا
معنى لِلتَّبْعِيضِ غير ذلك.
قال : وجعلها لِلتَّبْعِيضِ أولى من القول بزيادتها ، لأن الأصل عدم الزيادة ولا
يلزم من الزيادة في موضع ثبوتها في كل موضع ، بل لا يجوز القول به إلا بدليل ،
فدعوى الأصالة دعوى تأسيس وهو الحقيقة ، ودعوى الزيادة دعوى مجاز ومعلوم أن
الحقيقة أولى.
وقوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي
الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ ، وَمِثْلُهُ ( فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ ) أي علم الله ... إلى أن قال : وقال النحاة تأتي للإلصاق
، ومَثَّلُوهُ بقولك « مسحت يدي بالمنديل » أي ألصقتها به ، والظاهر أنه لا
يستوعبه وهو عرف الاستعمال ، ويلزم من هذا الإجماع على أنها لِلتَّبْعِيضِ ـ انتهى.
وهو تحقيق جيد
يطابق المذهب الحق ويشهد له صريح الحديث الصحيح المشهور الْمَرْوِيُّ عَنْ
زُرَارَةَ عَنِ الْبَاقِرِ عليه السلام قَالَ : قُلْتُ لَهُ أَلَا تُخْبِرُنِي
مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ؟ وَقُلْتُ : إِنَّ الْمَسْحَ بِبَعْضِ
الرَّأْسِ وَبَعْضِ الرِّجْلَيْنِ ، فَضَحِكَ وَقَالَ : يَا زُرَارَةُ
قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَنَزَلَ بِهِ الْكِتَابُ مِنَ اللهِ
تَعَالَى لِأَنَّهُ قَالَ : ( فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ ) فَعَرَفْنَا أَنَّ الْوَجْهَ كُلَّهُ يَنْبَغِي أَنْ
يُغْسَلَ ، ثُمَّ قَالَ : ( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى
الْمَرافِقِ ) فَوَصَلَ الْيَدَيْنِ بِالْوَجْهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ
يَنْبَغِي لَهُمَا أَنْ يُغْسَلَا إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ فَصَّلَ بَيْنَ
الْكَلَامَيْنِ فَقَالَ : ( وَامْسَحُوا
بِرُؤُسِكُمْ ) فَعَرَفْنَا حِينَ قَالَ ( بِرُؤُسِكُمْ ) أَنَّ الْمَسْحَ بِبَعْضِ
الرَّأْسِ لِمَكَانِ
الْبَاءِ ، ثُمَّ وَصَلَ الرِّجْلَيْنِ بِالرَّأْسِ كَمَا وَصَلَ الْيَدَيْنِ
بِالْوَجْهِ فَقَالَ : ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ ) فَعَرَفْنَا حِينَ وَصَلَهُمَا بِالرَّأْسِ أَنَ