اما مفاد تلك المؤامرة ، هو اقصاء الإمام امير المؤمنين عليهالسلام عن الخلافة مهما بلغ الثمن. ولو دققنا النظر في الاحتمالين لوجدنا أن الأول منه لا يمكن الأخذ به لما عرف عن الخليفة من حنكة ودهاء ، وإن كتب التراجم والسيرة تنصّ على ذلك.
قال الذهبي في تذكرة الحافظ في ترجمة عمر بن الخطاب : أبو حفص العدوي الفاروق وزير رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن أيد الله به الإسلام وفتح به الأمصار وهو الصادق المحدث الملهم الذي جاء عن المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : لو كان بعدي نبي لكان عمر الذي فر منه الشيطان وأعلن به الإيمان وأعلى الأذان (١).
أما الاحتمال الثاني ، فالحقيقة تكمن فيه ، إذ نجد خيوط المؤامرة تنكشف للباحث بصورة جلية لا غبار عليها يوم احتضار الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال ابن سعد بسنده عن ابي عباس عن عكرمة ، قال : إن النبي قال في مرضه الذي مات فيه : آتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً. فقال عمر بن الخطاب : من لفلانة وفلانة (٢) إن رسول الله ليس بميت حتى يفتحها ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسى ، فقالت زينب زوج النبي : ألا تسمعون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يعهد إليكم؟! فلغطوا فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : قوموا فلما قاموا قبض النبي مكانة (٣).
أقول : لاتعجب من ذلك ، ولاتعجب مما تقدم من قول الذهبي إذ على مذهبه أن يكون الوحي قد نزل علىعمر بن الخطاب دون النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأن عمر في تصور الذهبي وأقرانه أحق بالنبوة من محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أو هو بمنزلة محمد دون سائر البشر!!.
وإلا فما معنى مشاكسة عمر للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ورد طلبه ، ومنعه الصحابة من إتباعهم بالقرطاس والدواة؟! حتى قال أبو حفص أن النبي غلبه الوجع
__________________
(١) تذكرة الحفاظ ١ | ٥ ط ١ ، دار الفكر بيروت.
(٢) اراد بهما حصن الروم.
(٣) طبقات ابن سعد ٢ | ٢٤٤ ط بيروت.