معاني القرآن

أبي الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي البلخي البصري [ الأخفش الأوسط ]

معاني القرآن

المؤلف:

أبي الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي البلخي البصري [ الأخفش الأوسط ]


المحقق: إبراهيم شمس الدين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3518-X
الصفحات: ٣٦٠

وقال الله تعالى (إذ يلقون أقلمهم أيّهم يكفل مريم) [الآية ٤٤] لأنّ كل ما كان من طلب العلم فقد يقع بعده الاستفهام. تقول : «أزيد في الدّار»؟ و: «لتعلمنّ أزيد في الدّار». وقال (لنعلم أىّ الحزبين) [الكهف : الآية ١٢] أي : لننظر. وقال تعالى (ليبلوكم أيّكم أحسن عملا) [هود : الآية ٧].

وأمّا قوله (ثمّ لننزعنّ من كلّ شيعة أيّهم أشدّ على الرّحمن عتيّا) (٦٩) [مريم : الآية ٦٩] فلم يرتفع على مثل ما ارتفع عليه الأول لأن قوله (لننزعنّ) [مريم : الآية ٦٩] ليس بطلب علم. ولكن لما فتحت «من» و «الذي» في غير موضع «أي» صارت غير متمكنة إذ فارقت أخواتها تركت على لفظ واحد وهو الضم وليس بإعراب. وجعل (أشدّ) من صلتها وقد نصبها قوم وهو قياس. وقالوا : «إذا تكلّم بها فإنّه لا يكون فيها إلّا الأعمال». وقد قرىء (تماما على الّذى أحسن) [الأنعام : الآية ١٥٤] فرفعوا وجعلوه من صلة «الذي» وفتحه على الفعل أحسن. وزعموا أن بعض العرب قال : «ما أنا بالّذي قائل لك شيئا» فهذا الوجه لا يكون للاثنين إلا «ما نحن بالّلذين قائلان لك شيئا».

وقال تعالى (اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها) [الآية ٤٥] نصبه على الحال (ومن المقربين) [الآية ٤٥] عطفه على (وجيها) [الآية ٤٥] وكذلك (وكهلا) [الآية ٤٦] معطوف على (وجيها) [الآية ٤٥] لأن ذلك منصوب. وأما قوله تعالى (بكلمة مّنه اسمه المسيح) [الآية ٤٥] فإنه جعل «الكلمة» هي «عيسى» لأنه في المعنى كذلك. كما قال (أن تقول نفس يا حسرتا) [الزمر : ٥٦] ثم قال (بلى قد جآءتكءايتى فكذّبت بها) [الزّمر : الآية ٥٩] وكما قالوا : «ذو الثديّة» لأن يده كانت مثل الثدي. كانت قصيرة قريبة من ثديه فجعلها كأن اسمها «ثديّة» ولو لا ذلك لم تدخل الهاء في التصغير.

وأما قوله (كذلك الله) [الآية ٤٠] فكسر الكاف لأنها مخاطبة امرأة ، وإذا كانت الكاف للرجل فتحت. قال للمؤنث (واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين) [يوسف : ٢٩].

وقوله (ويعلّمه الكتب والحكمة) [الآية ٤٨] موضع نصب على (وجيها) [الآية ٤٥]. و (رسولا) [الآية ٤٩] معطوف على (وجيها) [الآية ٤٥].

وقال تعالى (ومصدّقا لّما بين يدىّ) [الآية ٥٠] على قوله (وجئتكم) [الآية ٥٠] (مّصدّقا لّما بين يدىّ) لأنّه قال (قد جئتكم بآية من ربّكم) [الآية ٤٩].

١٤١

وقال (إنّ الله ربّى وربّكم) [الآية ٥١] ف (إنّ) على الابتداء. وقال بعضهم (أنّ) فنصب على «وجئتكم بأنّ الله ربّي وربّكم» هذا معناه.

وقال تعالى (فلمّآ أحسّ عيسى منهم الكفر) [الآية ٥٢] لأنّ هذا من : «أحسّ» «يحسّ» «إحساسا» وليس من قوله (تحسونهم باذنه) [آل عمران : ١٥٢] إذ ذلك من «حسّ» «حسّا» وهو في غير معناه لأن معنى «حسست» قتلت ، و «أحسست» هو : ظننت.

وقال تعالى (ثمّ قال له كن فيكون) [الآية ٥٩] رفع على الابتداء ومعناه : «كن» «فكان» كأنّه قال : «فإذا هو كائن».

وقال (الحقّ من رّبّك فلا تكن مّن الممترين) (٦٠) [الآية ٦٠] يقول : «هو الحقّ من ربّك».

وقال سبحانه وتعالى (يا أهل الكتب تعالوا إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم) [الآية ٦٤] فجر (سواء) لأنها من صفة الكلمة وهو «العدل». أراد «مستوية» ولو أراد «استواء» لكان النصب. وإن شاء أن يجعله على الاستواء ويجرّ جاز ، ويجعله من صفة الكلمة مثل «الخلق» ، لأن «الخلق» قد يكون صفة ويكون اسما ، قال الله تعالى (الّذى جعلنه للنّاس سوآء العكف فيه والباد) [الحجّ : الآية ٢٥] لأن «السّواء» للآخر وهو اسم ليس بصفة فيجرى على الأول ، وذلك إذا أراد به الاستواء ، فإن أراد «مستويا» جاز أن يجري على الأول ، فالرفع في ذا المعنى جيد لأنها صفة لا تغير عن حالها ولا تثنى ولا تجمع على لفظها ولا تؤنث ، فأشبهت الأسماء.

وقال تعالى (أن نّجعلهم كالّذينءامنوا وعملوا الصّلحت سوآء مّحيهم ومماتهم) [الجاثية : ٢١] ف «السواء» للمحيا والممات ، فهذا المبتدأ. وإن شئت أجريته على الأول وجعلته صفة مقدمة من سبب الأول فجرى عليه ، فهذا إذا جعلته في معنى مستو فالرفع وجه الكلام كما فسرته لك من قوله (ألّا نعبد إلّا الله) [الآية ٦٤] فهو بدل كأنه قال «تعالوا إلى أن لا نعبد إلّا الله».

وقال عزوجل (ولا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم) [الآية ٧٧] فهذا مثل قولك للرجل «ما تنظر إليّ» إذا كان لا ينيلك شيئا.

قال تعالى (ءامنوا بالّذى أنزل على الّذينءامنوا وجه النّهار واكفرواءاخره) [الآية ٧٢] جعله ظرفا.

١٤٢

وقال تعالى (أن يؤتى أحد مّثل مآ أوتيتم) [الآية ٧٣] يقول : «لا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وأن يحاجّوكم به عند ربّكم» أي : ولا تؤمنوا أن يحاجّوكم.

وقال تعالى (إلّا ما دمت عليه قائما) [الآية ٧٥] لأنّها من «دمت» «تدوم». ولغة للعرب «دمت» وهي قراءة مثل «متّ» «تموت» جعله على «فعل» «يفعل» فهذا قليل.

وقال تعالى (بدينار) [الآية ٧٥] أي : على دينار كما تقول : «مررت به» و «عليه».

وقال تعالى (يلون ألسنتهم بالكتب) [الآية ٧٨] بفتح الياء. وقال (يلوّون) بضم الياء وأحسبها «يلووّن» لأنّه قال (ليّا بألسنتهم) فلو كان من (يلوّون) لكانت «تلوية بألسنتهم».

وقال تعالى (ثمّ يقول للنّاس) [الآية ٧٩] نصب على (ما كان لبشر أن يؤتيه الله) [الآية ٧٩] (ثمّ يقول للنّاس) [الآية ٧٩] لأنّ «ثمّ» من حروف العطف.

و (ولا يأمركم) [الآية ٨٠] أيضا معطوف بالنّصب على (أن) وإن شئت رفعت ؛ تقول (ولا يأمركم) لا تعطفه على الأوّل تريد : هو لا يأمركم.

قال الله تعالى (لمآءاتيتكم مّن كتب وحكمة ثمّ جآءكم رسول مّصدّق لّما معكم لتؤمننّ به) [الآية ٨١] فاللام التي مع «ما» في أول الكلام هي لام الابتداء نحو «لزيد أفضل منك» ، لأن (ما آتيتكم) اسم والذي بعده صلة. واللام التي في (لتؤمننّ به ولتنصرنّه) [الآية ٨١] لام القسم كأنه قال «والله لتؤمننّ به» فوكد في أول الكلام وفي آخره ، كما تقول : «أما والله أن لو جئتني لكان كذا وكذا» ، وقد يستغنى عنها. ووكّد في (لتؤمننّ) [الآية ٨١] باللام في آخر الكلام وقد يستغنى عنها. جعل خبر (ما آتيتكم من كتاب وحكمة لتؤمننّ به) [الآية ٨١] مثل «ما لعبد الله؟ والله لتأتينّه». وإن شئت جعلت خبر «ما» (مّن كتب) [آل عمران : الآية ٨١] تريد (لما آتيتكم كتاب وحكمة) وتكون «من» زائدة.

وقال تعالى (مّلء الأرض ذهبا) [الآية ٩١] مهموزة من «ملأت» وانتصب (ذهبا) [الآية ٩١] كما تقول : «لي مثلك رجلا» أي : لي مثلك من الرجال ، وذلك لأنك شغلت الإضافة بالاسم الذي دون «الذهب» وهو «الأرض» ثم جاء «الذهب»

١٤٣

وهو غيرها فانتصب كما ينتصب المفعول إذا جاء من بعد الفاعل ، وهكذا تفسير الحال ، لأنك إذا قلت : «جاء عبد الله راكبا» فقد شغلت الفعل ب «عبد الله» وليس «راكب» من صفته لأن هذا نكرة وهذا معرفة. وإنما جئت به لتجعله اسما للحال التي جاء فيها. فهكذا تفسيره ، وتفسير «هذا أحسن منك وجها» ، لأن «الوجه» غير الكاف التي وقعت عليها «من» و «أحسن» في اللفظ إنما هو الذي تفضله ف «الوجه» غير ذينك في اللفظ فلما جاء بعدهما وهو غيرهما انتصب انتصاب المفعول به بعد الفاعل.

وقال تعالى (كلّ الطّعام كان حلّا لّبنى إسراءيل) [الآية ٩٣] لأنه يقال : «هذا حلال» و «هذا حلّ» ، و «هذا حرام» ، و «هذا حرم» ويقال (وحرام على قرية) [الأنبياء : الآية ٩٥] ويقال (وحرم على قرية) وتقول : «حرم عليكم ذاك» ولو قال (وحرم على قرية) كان جائزا ولو قال (وحرم على قرية) كان جائزا أيضا.

قال الله (فاتّبعوا ملّة إبرهيم حنيفا) [الآية ٩٥] نصب على الحال.

وقال تعالى (إنّ أوّل بيت وضع للنّاس للّذى ببكّة) [الآية ٩٦] فهذا خبر «إنّ».

ثم قال (مباركا) [الآية ٩٦] لأنه قد استغنى عن الخبر ، وصار (مباركا) [الآية ٩٦] نصبا على الحال. (وهدى لّلعلمين) [الآية ٩٦] في موضع نصب عطف عليه. والحال في القرآن كثير ولا يكون إلا في موضع استغناء.

وقال تعالى (فيهءايت بيّنت مّقام إبراهيم) [الآية ٩٧] فرفع (مقام إبراهم) لأنه يقول : (فيهءايت بيّنت) [الآية ٩٧] منها (مقام إبرهيم) على الإضمار.

وقال الله تعالى (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء) [الآية ١٠٣] على التفسير بقطع الكلام عند قوله (اذكروا نعمت الله عليكم) ثم فسر آية التأليف بين قلوبهم وأخبر بالذي كانوا فيه قبل التأليف كما تقول «أسمك الحائط أن يميل».

(وكنتم على شفا حفرة) [الآية ١٠٣] ف «الشّفا» مقصور مثل «القفا» وتثنيته بالواو تقول : «شفوان» لأنه لا يكون فيه الإمالة ، فلما لم تجىء فيه الإمالة عرفت أنّه من الواو.

وقال تعالى (ولتكن مّنكم أمّة يدعون إلى الخير) [الآية ١٠٤] و «أمّة» في اللفظ واحد وفي المعنى جمع فلذلك قال (يدعون) وفي (ولتكن) جزم اللام بعضهم أيضا.

١٤٤

وقال عزوجل (ولله ما فى السّموات وما فى الأرض وإلى الله ترجع الأمور) [الآية ١٠٩] فثنى الاسم وأظهره ، وهذا مثل «أمّا زيد فقد ذهب زيد». قال الشاعر : [الخفيف]

١٥٧ ـ لا أرى الموت يسبق الموت شيء

نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا (١)

فأظهر في موضع الإضمار.

وقال (لن يضرّوكم إلّا أذى) [الآية ١١١] استثناء يخرج من أول الكلام. وهو كما روى يونس (٢) عن بعض العرب أنه قال : «ما أشتكي شيئا إلّا خيرا». ومثله (لّا يذوقون فيها بردا ولا شرابا (٢٤) إلّا حميما وغسّاقا) (٢٥) [النبأ : ٢٤ ـ ٢٥].

وقال (ضربت عليهم الذّلّة أين ما ثقفوا إلّا بحبل مّن الله) [الآية ١١٢] فهذا مثل (لن يضرّوكم إلّا أذى) [الآية ١١١] استثناء خارج من أول الكلام في معنى «لكنّ» وليس بأشد من قوله (لّا يسمعون فيها لغوا إلّا سلما) [مريم : الآية ٦٢].

وقال (ليسوا سوآء مّن أهل الكتب) [الآية ١١٣] لأنه قد ذكرهم ثم فسره فقال : (مّن أهل الكتب أمّة قائمة يتلونءايت الله) [الآية ١١٣] ولم يقل «وأمّة على خلاف هذه الأمّة» لأنه قد ذكر كل هذا قبل. وقال تعالى (من أهل الكتب) فهذا قد دل على أمة خلاف هذه.

وأما قوله (فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمنكم) [الآية ١٠٦] على «فيقال لهم أكفرتم». مثل قوله (والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم) [الزّمر : الآية ٣] وهذا في القرآن كثير.

وقال تعالى (ءانآء الّيل) [الآية ١١٣] وواحد «الآناء» مقصور «إنى» فاعلم. وقال بعضهم : «إني» كما ترى و «إنو» وهو ساعات الليل. قال الشاعر : [البسيط]

__________________

(١) البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص ٦٥ ، والأشباه والنظائر ٨ / ٣٠ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٧٨ ، ٣٧٩ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣٦ ، ١١٨ ، ولسوادة بن عدي في شرح أبيات سيبويه ١ / ١٢٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ١٧٦ ، والكتاب ١ / ٦٢ ، ولسوادة أو لعدي في لسان العرب (نغص) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ١٥٣ ، ٢٨٦ ، ٢ / ٨٢٩ ، وخزانة الأدب ٦ / ٩٠ ، ١١ / ٣٦٦ ، والخصائص ٣ / ٥٣ ، ومغني اللبيب ٢ / ٥٠٠.

(٢) يونس : هو يونس بن حبيب الضبي النهري البصري ، تقدمت ترجمته.

١٤٥

١٥٨ ـ السّالك الثّغر مخشيّا موارده

في كلّ إني قضاه اللّيل ينتعل (١)

قال : وسمعته «يختعل».

وقال تعالى (كنتم خير أمة) [الآية ١١٠] يريد «أهل أمّة» لأنّ الأمّة الطريقة.

والأمّة أيضا لغة. قال النابغة (٢) : [الطويل]

١٥٩ ـ حلفت فلم أترك لنفسك ريبة

وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع (٣)

وقال تعالى (لا يألونكم خبالا) [الآية ١١٨] لأنها من «ألوت» و «ما آلو» «ألوا».

وقال تعالى (ودّوا ما عنتّم) [الآية ١١٨] يقول (لا تتّخذوا بطانة) [الآية ١١٨] (ودّوا) [الآية ١١٨] أي : أحبّوا (ما عنتّم) [الآية ١١٨] جعله من صفة «البطانة» ، جعل (ما عنتّم) [الآية ١١٨] في موضع «العنت».

قال (لا يضركم كيدهم) [الآية ١٢٠] لأنه من «ضار» «يضير» و «ضرته» خفيفة «فأنا أضيره» ، قال بعضهم (لا يضرّكم) [الآية ١٢٠] جعله من «ضرّ» «يضرّ» وحرّك للسكون الذي قبله لأن الحرف الثقيل بمنزلة حرفين الأول منهما ساكن.

وقال بعضهم (لا يضركم) [الآية ١٢٠] جعلها من «ضار» «يضور» وهي لغة.

وقال تعالى (وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين) [الآية ١٢١] لأنها من «بوّأت» و «إذ» ها هنا إنّما خبرها في المعنى كما فسرت لك.

وقال (بخمسةءالف مّن الملئكة مسوّمين) [الآية ١٢٥] لأنهم سوّموا الخيل. وقال بعضهم (مسوّمين) معلمين لأنّهم هم سوّموا وبها نقرأ.

__________________

(١) يروى البيت بلفظ :

حلو ومرّ كعطف القدح مرته

في كل آن قضاه الليل يفتعل

والبيت للمتنخل الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص ١٢٨٣ ، ولسان العرب (أني) ، وتاج العروس (أني) ، (نعل) ، وأساس البلاغة (زلم) ، وللهذلي في جمهرة اللغة ص ١٣٣٥ ، ومجمل اللغة ٢٠٨ ، وبلا نسبة في لسان العرب (نغل) ، وتهذيب اللغة ٢ / ٤٠٠ ، ١٥ / ٥٥٢ ، وجمهرة اللغة ص ٢٠٥.

(٢) النابغة : هو النابغة الذبياني زياد بن معاوية ، تقدمت ترجمته.

(٣) البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٣٥ ، ولسان العرب (أمم) ، ومقاييس اللغة ١ / ٢٨ ، وكتاب العين ٨ / ٤٢٨ ، وتهذيب اللغة ١٥ / ٦٣٥ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٢٤٧ ، ومجمل اللغة ١ / ١٥٢.

١٤٦

(أو يتوب عليهم أو يعذّبهم) [الآية ١٢٨] على (ليقطع طرفا) [الآية ١٢٧] عطفه على اللام.

وقال تعالى (أن يمسسكم قرح) [الآية ١٤٠] قال بعضهم (قرح) مثل «الضعف» و «الضعف» وتقول منه «قرح» «يقرح» «قرحا» و «هو قرح». وبعض العرب يقول : «قريح» مثل «مذل» و «مذيل».

وقال تعالى (فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) [الآية ١٤٣] توكيدا كما تقول : «قد رأيته والله بعيني» و «رأيته عيانا».

وقال تعالى (أفأن مّات أو قتل انقلبتم) [الآية ١٤٤] ولم يقل «أنقلبتم» فيقطع الألف لأنه جواب المجازاة الذي وقعت عليه (إن) وحرف الاستفهام قد وقع على (إن) فلا يحتاج خبره إلى الاستفهام لأن خبرها مثل خبر الابتداء. ألا ترى أنك تقول : «أزيد حسن» ولا تقول : «أزيد أحسن» وقال الله تعالى (أفإن متّ فهم الخالدون) [الأنبياء : ٣٤] ولم يقل «أفهم الخالدون» لأنه جواب المجازاة.

وقال الله تعالى (وما كان لنفس أن تموت إلّا بإذن الله كتبا مّؤجّلا) [الآية ١٤٥] فقوله سبحانه (كتبا مؤجّلا) [الآية ١٤٥] توكيد ، ونصبه على «كتب الله ذلك كتابا مؤجّلا». وكذلك كل شيء في القرآن من قوله (حقّا) [البقرة : الآية ١٨٠] إنما هو «أحقّ ذلك حقّا». وكذلك (وعد الله) [النّساء : الآية ٩٥] و (رحمة مّن رّبّك) [الإسراء : الآية ٢٨] و (صنع الله) [النّمل : الآية ٨٨] و (كتب الله عليكم) [النّساء : الآية ٢٤] إنما هو من «صنع الله ذلك صنعا» فهذا تفسير كل شيء في القرآن من نحو هذا وهو كثير.

وقال تعالى (وكأيّن من نبّيّ قتل معه ربّيّون كثير فما وهنوا) [الآية ١٤٦] يجعل النبيّ هو الذي قتل وهو أحسن الوجهين لأنّه قد قال (أفإين مّات أو قتل) [الآية ١٤٤] وقال بعضهم (قتل معه) وهي أكثر وبها نقرأ ، لأنّهم كانوا يجعلون (قتل) على (ربّيّون). ونقول : «فكيف نقول (فما وهنوا) [آل عمران : الآية ١٤٦]» وقد قلنا إنهم قد قتلوا فإنه كما ذكرت لك أن القتل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقوله (ربّيّون) [الآية ١٤٦] يعني : الذين يعبدون الرب تعالى وواحدها «ربّيّ».

وقال تعالى (وما كان قولهم إلّا أن قالوا) [الآية ١٤٧] وقال (وما كان جواب قومه إلّا أن قالوا) [الأعراف : الآية ٨٢] و [قال] (وما كان حجتهم إلا أن

١٤٧

قالوا) [الجاثية : ٢٥] ف (أن قالوا) [الآية ١٤٧] هو الاسم الذي يرفع ب (وكان) لأن (أن) الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة اسم تقول : «أعجبني أن قالوا» وإن شئت رفعت أول هذا كله وجعلت الآخر في موضع نصب على خبر كان. قال الشاعر : [الطويل]

١٦٠ ـ لقد علم الأقوام ما كان داءها

بثهلان إلّا الخزي ممّن يقودها (١)

وإن شئت «ما كان داؤها إلّا الخزي».

وقال تعالى (إذ تصعدون ولا تلون على أحد) [الآية ١٥٣] (١٥٣) لأنك تقول : «أصعد» أي : مضى وسار و «أصعد الوادي» أي : انحدر فيه. وأما «صعد» فإنه : ارتقى.

وقال (فأثبكم غمّا بغمّ) [الآية ١٥٣] أي : على غمّ. كما قال (فى جذوع النّخل) [طه : الآية ٧١] ومعناه : على جذوع النخل. وكما قال : «ضربني في السيف» يريد «بالسيف» وتقول : «نزلت في أبيك» أي : على أبيك.

وقال تعالى (إنّ الأمر كلّه لله) [الآية ١٥٤] إذا جعلت «كلّا» اسما كقولك : «إنّ الأمر بعضه لزيد» وإن جعلته صفة نصبت. وإن شئت نصبت على البدل ، لأنك لو قلت «إنّ الأمر بعضه لزيد» لجاز على البدل ، والصفة لا تكون في «بعض». قال الشاعر : [الكامل]

١٦١ ـ إنّ السّيوف غدوّها ورواحها

تركا فزارة مثل قرن الأعضب (٢)

فابتدأ «الغدوّ» و «الرواح» وجعل الفعل لهما. وقد نصب بعضهم «غدوّها ورواحها» وقال : «تركت هوازن» فجعل «الترك» ل «السيوف» وجعل «الغدوّ» و «الرواح» تابعا لها كالصفة حتى صار بمنزلة «كلّها». وتقول (إنّ الأمر كلّه لله) [الآية ١٥٤] على التوكيد أجود وبه نقرأ.

وقال تعالى (لبرز الّذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) [الآية ١٥٤] وقد قال بعضهم (القتل) و (القتل) فيما نرى ، وقال بعضهم (إلى قتالهم) و (القتل)

__________________

(١) البيت لمغلس الأسدي في شرح أبيات سيبويه ١ / ٢٧٨ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٥ / ١٨٤ ، وشرح المفصل ٧ / ٩٦ ، والكتاب ١ / ٥٠ ، والمحتسب ٢ / ١١٦.

(٢) البيت للأخطل في ديوانه ص ٣٢٩ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٩٩ ، ٢٠١ ، ولسان العرب (عضب) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٣٥٤ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٤١.

١٤٨

أصوبهما إن شاء الله لأنه قال (إلى مضاجعهم) [الآية ١٥٤].

وقال (وليبتلى الله ما فى صدوركم) [الآية ١٥٤] أي : كي يبتلي الله.

وقال تعالى (ومآ أصبكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله) [الآية ١٦٦] فجعل الخبر بالفاء لأنّ (مآ) بمنزلة «الذي» وهو في معنى «من» ، و «من» تكون في المجازاة ويكون جوابها بالفاء.

وقال تعالى (أو كانوا غزّى لّو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا) [الآية ١٥٦] وواحد «الغزّى» «غاز» مثل «شاهد» و «شهّد».

وقال تعالى (ولئن قتلتم فى سبيل الله أو متّم) [الآية ١٥٧] الآية. فإن قيل كيف يكون (لمغفرة مّن الله) [الآية ١٥٧] جواب ذلك الأول؟ فكأنه حين قال (ولئن قتلتم فى سبيل الله أو متّم) [الآية ١٥٧] تذكر لهم مغفرة ورحمة إذ كان ذلك في السبيل فقال (لمغفرة) [الآية ١٥٧] يقول : «لتلك المغفرة (خير مما تجمعون)».

وقال (ولئن مّتّم أو قتلتم لإلى الله تحشرون) (١٥٨) [الآية ١٥٨] وإن شئت قلت (قتّلتم).

وقال تعالى (فبما رحمة مّن الله) [الآية ١٥٩] يقول : «فبرحمة» و (مآ) زائدة.

وقال تعالى (وما كان لنبىّ أن يغلّ) [الآية ١٦١] وقال بعضهم (يغلّ) وكلّ صواب والله أعلم لأنّ المعنى «أن يخون» أو «يخان».

وقال (أو لمّآ أصبتكم مّصيبة) [الآية ١٦٥] فهذه الألف ألف الاستفهام دخلت على واو العطف ، فكأنه قال : «صنعتم كذا وكذا ولمّا أصابتكم» ثم أدخل على الواو ألف الاستفهام.

وقال (فبإذن الله وليعلم المؤمنين) [الآية ١٦٦] فجعل الخبر بالفاء لأنّ (مآ أصبكم) [الآية ١٥٣] : الذي أصابكم. وقال (وليعلم المؤمنين) [الآية ١٦٦] لأنّ معناه : «فهو بإذن الله» «وهو ليعلم».

وقال (الّذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت) [الآية ١٦٨] أي : قل لهم (فادرؤا عن أنفسكم الموت) وأضمر «لهم».

١٤٩

وقال تعالى (فزادهم إيمنا) [الآية ١٧٣] يقول : «فزادهم قولهم إيمانا».

وقال (إنّما ذلكم الشّيطن يخوف أولياءه) [الآية ١٧٥] يقول : «يرهب النّاس أولياءه» أي : بأوليائه.

وقال (لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه) [الآية ١٨٧] يقول : «استحلفهم ليبيّننّه ولا يكتمونه» وقال (لتبيّننّه ولا تكتمونه) أي : قل لهم : «والله لتبيّننّه ولا تكتمونه».

وقال (لآ أضيع عمل عمل مّنكم مّن ذكر أو أنثى) [الآية ١٩٥] أي : فاستجاب : بأنّي لا أضيع عمل عامل منكم. أدخل فيه (مّن) زائدة كما تقول «قد كان من حديث» و (مّن) [البقرة : الآية ٥] ها هنا لغو لأنّ حرف النفي قد دخل في قوله (لا أضيع).

وقال (ولا تحسبنّ الّذين يبخلون بمآءاتهم الله من فضله هو خيرا لّهم بل هو شرّ لّهم) [الآية ١٨٠] فأراد «ولا تحسبنّ البخل هو خيرا لهم» فألقى الاسم الذي أوقع عليه الحسبان وهو «البخل» ، لأنّه قد ذكر الحسبان وذكر ما آتاهم الله من فضله فأضمرهما إذا ذكرهما. وقد جاء من الحذف ما هو أشد من ذا ، قال الله تعالى (لا يستوى منكم مّن أنفق من قبل الفتح وقتل) [الحديد : الآية ١٠] ولم يقل «ومن أنفق من بعد» لأنه لما قال (اولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد) كان فيه دليل على أنه قد عناهم.

وقال تعالى (سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقّ) [الآية ١٨١] وقد مضى لذلك دهر ، فإنما يعني : «سنكتب ما قالوا على من رضي به من بعدهم أيام يرضاه».

وأما قوله (لا تحسبنّ الّذين يفرحون بمآ أتوا وّ يحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنّهم) [الآية ١٨٨] فإنّ : الآخرة بدل من الأولى والفاء زائدة. ولا تعجبني قراءة من قرأ الأولى بالياء إذ ليس لذلك مذهب في العربية لأنه إذا قال (لا تحسبنّ الّذين يفرحون بمآ أتوا) فإنّه لم يوقعه على شيء.

١٥٠

ومن سورة النساء

قال تعالى (تسآءلون به) [الآية ١] خفيفة لأنها من تساؤلهم فإنهم «يتساءلون» فحذف التاء الأخيرة ، وذلك كثير في كلام العرب نحو (تكلّمون) وإن شئت ثقّلت فأدغمت.

قال الله تعالى (والأرحام) [الآية ١] منصوبة ، أي : اتقوا الأرحام. وقال بعضهم (والأرحام) جرّ والأوّل أحسن لأنك لا تجري الظاهر المجرور على المضمر المجرور.

وقال تعالى (إنّ الله كان عليكم رقيبا) [الآية ١] تقول من «الرقيب» : «رقب» «يرقب» «رقبا» و «رقوبا».

وقال (ولا تأكلوا أموالهم إلى أمولكم) [الآية ٢] أي : «مع أموالكم» (إنّه كان حوبا كبيرا) [الآية ٢] يقول : «أكلها كان حوبا كبيرا».

قال (وإن خفتم ألّا تقسطوا فى اليتمى) [الآية ٣] لأنه من «أقسط» «يقسط». و «الإقساط» : العدل. وأما «قسط» فإنّه «جار» قال (وأمّا القسطون فكانوا لجهنّم حطبا) (١٥) [الجنّ : الآية ١٥] ف «أقسط» : عدل و «قسط» : جار. قال (وأقسطوا إنّ الله يحبّ المقسطين) [الحجرات : الآية ٩].

وقال (مثنى وثلث وربع فإن خفتم ألّا تعدلوا فوحدة) [الآية ٣] يقول : «فانكحوا واحدة (أو ما ملكت أيمنكم) [الآية ٣]» أي : انكحوا ما ملكت أيمانكم. وأما ترك الصرف في (مثنى وثلث وربع) [الآية ٣] فإنه عدل عن «اثنين» و «ثلاث» و «أربع» كما أنه من عدل «عمر» عن «عامر» لم يصرف. وقال تعالى (أولى أجنحة مّثنى وثلث وربع) [فاطر : ١] فنصب. وقال (أن تقوموا لله مثنى وفردى) [سبإ : الآية ٤٦] فهو معدول كذلك ، ولو سميت به صرفت لأنه إذا كان اسما فليس في معنى «اثنين» و «ثلاثة» و «أربعة». كما قال «نزال» حين كان في معنى «انزلوا» وإذا سميت به رفعته. قال الشاعر : [الوافر]

١٥١

١٦٢ ـ أحمّ الله ذلك من لقاء

أحاد أساد في شهر حلال (١)

وقال : [الطويل]

١٦٣ ـ ولكنّما أهلي بواد أنيسه

ذئاب تبغّى الناس مثنى وموحدا (٢)

وقال تعالى (فانكحوا ما طاب لكم مّن النّسآء) [الآية ٣] يقول : «لينكح كلّ واحد منكم كلّ واحدة من هذه العدّة» كما قال تعالى (فاجلدوهم ثمنين جلدة) [النّور : الآية ٤] يقول : «فاجلدوا كلّ واحد منهم».

وقال (وءاتوا النّسآء صدقاتهنّ نحلة) [الآية ٤] وواحد «الصّدقات» : صدقة وبنو تميم تقول : «صدقة» ساكنة الدال مضمومة الصاد.

وقال (فإن طبن لكم عن شىء مّنه نفسا) [الآية ٤] فقد يجري الواحد مجرى الجماعة لأنه إنما أراد «الهوى» و «الهوى» يكون جماعة. قال الشاعر : [الطويل]

١٦٤ ـ بها جيف الحسرى فأمّا عظامها

فبيض وأمّا جلدها فصليب (٣)

وأما «هنيء مريء» فتقول : «هنؤ هذا الطعام ومرؤ» و «هنىء ومرىء» كما تقول : «فقه» و «فقه» يكسرون القاف ويضمونها. وتقول : «هنأني» و «هنئته» و «استمرأته».

وقال (فإنءانستم مّنهم رشدا) [الآية ٦] وقال (ءانستم) [الآية ٦] ممدودة. تقول : «آنست منه رشدا وخيرا» و (ءانست نارا) [طه : الآية ١٠] مثلها ممدودة. وتقول : «أنست بالرّجل» «أنسا» فألف «أنست» مقصورة وألف «أنسا» مضمومة. ويقال «أنسا».

__________________

(١) يروى البيت بلفظ :

منت لك أن تلاقيني المنايا

أحاد أحاد في الشهر الحلال

والبيت لعمرو ذي الكلب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ٢ / ٥٧٠ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٢ ، ٥٠٧ ، ١٠٤٧ ، ولسان العرب (جمم) ، والمعاني الكبير ص ٨٤٠ ، وللهذلي في شرح أشعار الهذليين ١ / ٢٤٥ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ١٧ ، والدرر ١ / ٩٠ ، وتاج العروس (منى) ، وشرح المفصل ١ / ٦٢ ، والمقتضب ٣ / ٣٨١ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٦ ، ولصخر الغي في الأغاني ١٥ / ٩٧ ، ويروى أيضا : «في الشهر الحرام» بدل : «في الشهر الحلال».

(٢) البيت لساعدة بن جؤية الهذلي في لسان العرب (بغا) ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ٢ / ٦٥٤.

(٣) البيت لعلقمة الفحل في ديوانه ص ٤٠ ، وخزانة الأدب ٧ / ٥٥٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٣٤ ، وشرح اختيارات المفضّل ص ١٥٨٨ ، والكتاب ١ / ٢٠٩ ، والمقتضب ٢ / ١٧٣ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٣٥٠.

١٥٢

وقال (إسرافا وبدارا أن يكبروا) [الآية ٦] يقول : لا تأكلوها مبادرة أن يشبّوا.

وقال (لّلرّجال نصيب مّمّا ترك الولدان) [الآية ٧] إلى قوله (نصيبا مّفروضا) [الآية ٧] فانتصابه كانتصاب (كتبا مّؤجّلا) [آل عمران : الآية ١٤٥].

وقال (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتمى والمسكين) [الآية ٨] ثم قال (فارزقوهم مّنه) [الآية ٨] لأن معناه المال والميراث فذكّر على ذلك المعنى.

وقال (وليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّة) [الآية ٩] لأنه يريد «وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية يخافون عليهم» مثل ما يركون (١) منهم من ذرية غيرهم. أي : فلا يفعلن ذلك حتى لا يفعله بهم غيرهم ؛ «فليخشوا» أي «فليخشوا هذا» أي : فليتّقوا. ثم عاد أيضا فقال : «فليتّقوا الله».

وقال (وسيصلون سعيرا) [الآية ١٠] فالياء تفتح وتضم ها هنا وكل صواب. وقوله (فى بطونهم) [الآية ١٠] توكيد.

وقال (يوصيكم الله فى أولدكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين) [الآية ١١] فالمثل مرفوع على الابتداء وإنما هو تفسير الوصية كما قال (وعد الله الّذينءامنوا وعملوا الصّلحت لهم مّغفرة وأجر عظيم) (٩) [المائدة : الآية ٩] فسر الوعد يقول : «هكذا وعدهم» أي : قال «لهم مغفرة». قال الشاعر : [الطويل]

١٦٥ ـ عشيّة ما ودّ ابن غرّاء أمّه

لها من سوانا إذ دعا أبوان (٢)

قال (فإن كنّ نسآء) [الآية ١١] فترك الكلام الأول وقال «إذا كان المتروكات نساء» نصب وكذلك (وإن كانت وحدة) [الآية ١١].

وقال (ولأبويه لكلّ واحد مّنهما السّدس) [الآية ١١] فهذه الهاء التي في «أبويه» ضمير الميت لأنه لما قال (يوصيكم الله فى أولدكم) [الآية ١١] كان المعنى : يوصي الله الميت قبل موته بأنّ عليه لأبويه كذا ولولده كذا. أي : فلا يأخذنّ إلّا ماله.

وقال (فإن كان له إخوة) [الآية ١١] فيذكرون أن الإخوة اثنان ومثله «إنّا فعلنا» وانتما اثنان ، وقد يشبه ما كان من شيئين وليس مثله ، ولكن اثنين قد جعل جماعة في قول الله عزوجل (إن تتوبآ إلى الله فقد صغت قلوبكما) [التّحريم : الآية ٤]

__________________

(١) يركون : كذا بالأصل ، ولعلها : يتركون.

(٢) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.

١٥٣

وقال (والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما) [المائدة : الآية ٣٨] وذلك أن في كلام العرب أن كل شيئين من شيئين فهو جماعة وقد يكون اثنين في الشعر. قال الشاعر : [الطويل]

١٦٦ ـ بما في فؤادينا من الشوق والهوى

فيجبر منهاض الفؤاد المشعّف (١)

وقال الفرزدق : [الطويل]

١٦٧ ـ هما نفثا في فيّ من فمويهما

على النّابح العاوي أشدّ لجام (٢)

وقد يجعل هذا في الشعر واحدا. وقال : [الرجز]

١٦٨ ـ لا ننكر القتل وقد سبينا

في حلقكم عظم وقد شجينا (٣)

وقال الآخر : [الوافر]

١٦٩ ـ كلوا في بعض بطنكم تعفّوا

فإنّ زمانكم زمن خميص (٤)

ونظير هذا قوله : «تسع مئة» وإنما هو «تسع مئات» أو «مئين» فجعله

__________________

(١) البيت للفرزدق في ديوانه ٢ / ٢٥ ، وجمهرة أشعار العرب ص ٨٧٨ ، والدرر ١ / ١٥٥ ، والكتاب ٣ / ٦٢٣ ، وبلا نسبة في شرح المفصل ٤ / ١٥٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٥١.

(٢) البيت للفرزدق في ديوانه ٢ / ٢١٥ ، وتذكرة النحاة ص ١٤٣ ، وجواهر الأدب ص ٩٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤٦٠ ـ ٤٦٤ ، ٧ / ٤٧٦ ، ٥٤٦ ، والدرر ١ / ١٥٦ ، وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٤١٧ ، ٢ / ٤٨٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٥٨ ، وشرح شواهد الشافية ص ١١٥ ، والكتاب ٣ / ٣٦٥ ، ٦٢٢ ، ولسان العرب (فمم) ، (فوه) ، والمحتسب ٢ / ٢٣٨ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٣٥ ، والأشباه والنظائر ١ / ٢١٦ ، والإنصاف ١ / ٣٤٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٣٠٧ ، والخصائص ١ / ١٧٠ ، ٣ / ١٤٧ ، ٢١١ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢١٥ ، والمقتضب ٣ / ١٥٨ ، والمقرب ٢ / ١٢٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٥١ ، ويروى : «أشد رجام» بدل : «أشد لجام».

(٣) الرجز للمسيب بن زيد مناة في لسان العرب (شجا) ، والمحتسب ٢ / ٨٧ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢١٢ ، ولطفيل في جمهرة اللغة ص ١٠٤١ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في لسان العرب (نهر) ، (سمع) ، (أمم) ، (عظم) ، (مأى) ، وخزانة الأدب ٧ / ٥٥٩ ، ٥٦٢ ، وشرح المفصل ٦ / ٣٢ ، والكتاب ١ / ٢٠٩ ، والمقتضب ٢ / ١٧٢ ، والمخصص ١ / ٣١ ، ١٠ / ٣٠ ، وأساس البلاغة (شجو) ، وتهذيب اللغة ٢ / ١٢٥ ، ٣٠٢ ، وتاج العروس (شجا) ، (مأى).

(٤) البيت بلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٢٣ ، وتخليص الشواهد ص ١٥٧ ، وخزانة الأدب ٧ / ٥٣٧ ، ٥٥٩ ، ٥٦٠ ، ٥٦٣ ، والدرر ١ / ١٥٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٧٤ ، وشرح المفصل ٥ / ٨ ، ٦ ، ٢١ ، والكتاب ١ / ٢١٠ ، والمحتسب ٢ / ٨٧ ، والمقتضب ٢ / ١٧٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٠.

١٥٤

واحدا ، وذلك أن ما بين العشرة إلى الثلاثة يكون جماعة نحو : «ثلاثة رجال» و «عشرة رجال» ثم جعلوه في «المئين» واحدا.

وقال (من بعد وصيّة يوصى بهآ) [الآية ١٢] لأنه ذكر الرجل حين قال (وورثه أبواه) [الآية ١١] وقال بعضهم (يوصي) وكلّ حسن. ونظير (يوصي) بالياء قوله :

(توصون) [الآية ١٢] و (يوصين) حين ذكرهن ، واحتج الذي قال (يوصي) بالياء بقوله (غير مضارّ وصيّة مّن الله) فنصب (وصيّة) و (فريضة مّن الله) كما نصب (كتبا مّؤجّلا) [آل عمران : الآية ١٤٥]. وقال (وإن كان رجل يورث كللة) [النّساء : الآية ١٢] ولو قرئت (يورث) [الآية ١٢] كان جيدا وتنصب (كللة) وقد ذكر عن الحسن ، فإن شئت نصبت (كللة) على خبر (كان) وجعلت (يورث) من صفة الرجل ، وإن شئت جعلت (كان) تستغني عن الخبر نحو «وقع» ، وجعلت نصب (كللة) على الحال ، أي : «يورث كلالة» كما تقول : «يضرب قائما». قال الشاعر في «كان» التي لا خبر لها : [الطويل]

١٧٠ ـ فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي

إذا كان يوم ذو كواكب أشهب (١)

قال (وإن كان رجل يورث كللة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكلّ واحد مّنهما) [الآية ١٢] يريد من المذكورين. ويجوز أن نقول للرجل إذا قلت «زيد أو عمر منطلق» : «هذان رجلا سوء» أي : اللذان ذكرت.

وقال (ولا تنكحوا ما نكحءابآؤكم مّن النّساء إلّا ما قد سلف) [الآية ٢٢] لأن معناه : فإنكم تؤخذون به. فلذلك قال : (إلّا ما قد سلف) [الآية ٢٢] ، أي : فليس عليكم جناح. ومثل هذا في كلام العرب كثير ، تقول : «لا نصنع ما صنعت» «ولا نأكل ما أكلت».

وقال (ومن لّم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنت) [الآية ٢٥] على «ومن لم يجد طولا أن ينكح» يقول «إلى أن ينكح» لأن حرف الجر يضمر مع «أن».

__________________

(١) البيت لمقاس العائذي في الأزهية ص ١٨٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٥٢ ، وشرح المفصل ٧ / ٩٨ ، والكتاب ١ / ٤٧ ، ولسان العرب (كون) ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٣٥ ، ولسان العرب (شهب) ، (ظلم) ، والمقتضب ٤ / ٩٦.

١٥٥

وقال (والله أعلم بإيمنكم بعضكم مّن بعض) [الآية ٢٥] فرفع (بعضكم) على الابتداء.

وقال (بإذن أهلهنّ) [الآية ٢٥] لأن : «الأهل» جماعة ولكنه قد يجمع فيقال : «أهلون» كما تقول : «قوم» و «أقوام» فتجمع الجماعة وقال (شغلتنا أموالنا وأهلونا) [الفتح : الآية ١١] فجمع. وقال (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) [التّحريم : الآية ٦] فهذه الياء ياء جماعة فلذلك سكنت وهكذا نصبها وجرها بإسكان الياء وذهبت النون للإضافة.

وقال (وأن تصبروا خير لّكم) [الآية ٢٥] يقول : «والصبر خير لكم».

وقال (يريد الله ليبيّن لكم ويهديكم) [الآية ٢٦] يقول : «وليهديكم» ومعناه : يريد كذا وكذا ليبين لكم. وإن شئت أوصلت الفعل باللام إلى «أن» المضمرة بعد اللام نحو (إن كنتم للرّءيا تعبرون) [يوسف : الآية ٤٣] وكما قال (وأمرت لأعدل بينكم) [الشورى : ١٥] فكسر اللام أي : أمرت من أجل ذلك.

وقال (إلّا أن تكون تجارة عن تراض مّنكم) [الآية ٢٩] فقوله (إلّا أن تكون تجارة) استثناء خارج من أول الكلام و (تكون) هي «تقع» في المعنى وفي «كان» التي لا تحتاج إلى الخبر فلذلك رفع التجارة.

وقال (وندخلكم مّدخلا كريما) [الآية ٣١] لأنها من «أدخل» «يدخل» والموضع من هذا مضموم الميم لأنه مشبه ببنات الأربعة «دحرج» ونحوها. ألا ترى أنك تقول : «هذا مدحرجنا» فالميم إذا جاوز الفعل الثلاثة مضمومة. قال أميّة بن أبي الصلت (١) : [البسيط]

١٧١ ـ الحمد لله ممسانا ومصبحنا

بالخير صبّحنا ربّي ومسّانا (٢)

__________________

(١) هو أمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عوف بن عقدة بن غيرة بن قسي. كان يعمل في التجارة بين الشام واليمن ، ثم تزهّد ونسك ولبس المسوح ونبذ عبادة الأوثان ، وحرّم على نفسه الخمرة. قرأ الكتب المتقدمة من كتب الله عزوجل ، وكان يخبر بأن نبيا يبعث قد أطلّ زمانه ويؤمّل أن يكون هو النبي ، فلما بلغه بعثة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم تكدّر وأغمي عليه ، وكفر به حسدا. ولما أنشد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شعره قال : آمن لسانه وكفر قلبه ، ويروى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما سمع شعر أمية قال : كاد أمية يسلم ، مات في السنة الثامنة للهجرة ، وقيل الخامسة (معجم الشعراء الجاهليين ص ٣٨ ـ ٣٩).

(٢) البيت لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص ٦٢ ، وإصلاح المنطق ص ١٦٦ ، والأغاني ٤ / ١٣٢ ، ـ

١٥٦

لأنه من «أمسى» و «أصبح». وقال (رّبّ أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق) [الإسراء : الآية ٨٠]. وتكون الميم مفتوحة إن شئت إذا جعلته من «دخل» و «خرج». وقال (إنّ المتّقين فى مقام أمين) (٥١) [الدّخان : الآية ٥١] إذا جعلته من «قام» «يقوم» ، فإن جعلته من «أقام» «يقيم» قلت : «مقام أمين».

وقال (ولا تتمنّوا) [الآية ٣٢] إن شئت أدغمت التاء الأولى في الآخرة ، فإن قيل كيف يجوز إدغامها ، وأنت إذا أدغمتها سكنت وقبلها الألف الساكنة التي في «لا» فتجمع ما بين ساكنين؟ قلت : «إن هذه الألف حرف لين». وقد يدغم بعد مثلها في الاتصال وفي غيره نحو «يضربانّي» و (ولا تناجوا بالإثم والعدوان) [المجادلة : ٩] وتدغم أيضا ، ومثله (قل أتحاجّونا في الله) [البقرة : ١٣٩] أدغمت وقبلها واو ساكنة. وإن شئت لم تدغم هذا كله. وقد قرأ بعض القراء (فبم تبشّرون) [الحجر : الآية ٥٤] أراد (تبشرونني) فأذهب إحدى النونين استثقالا لاجتماعهما ، كما قال : «ما أحسست منهم أحدا» فألقوا إحدى السينين استثقالا.

فهذا أجدر أن يستثقل لأنّهما جميعا متحركان. قال الشاعر : [الوافر]

١٧٢ ـ تراه كالثّغام يعلّ مسكا

يسوء الفاليات إذا فليني (١)

فحذف النون الآخرة لأنها النون التي تزاد ليترك ما قبلها على حاله وليست باسم. فأما الأولى فلا يجوز طرحها فإنها الاسم المضمر. وقال أبو حية النميري (٢) : [الوافر]

__________________

ـ وخزانة الأدب ١ / ٢٤٨ ، ٢٤٩ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٩٢ ، وشرح المفصل ٦ / ٥٣ ، والكتاب ٤ / ٩٥ ، ولسان العرب (مسا) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٥٢ ، وشرح المفصل ٦ / ٥٠.

(١) البيت لعمرو بن معد يكرب في ديوانه ص ١٨٠ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣٧١ ، ٣٧٢ ، ٣٧٣ ، والدرر ١ / ٢١٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٠٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢١٣ ، والكتاب ٣ / ٥٢٠ ، ولسان العرب (فلا) ، والمقاصد النحوية ١ / ٣٧٩ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٨٥ ، وجمهرة اللغة ص ٤٥٩ ، وشرح المفصل ٣ / ٩١ ، ولسان العرب (حيج) ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٢١ ، والمنصف ٢ / ٣٣٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٥.

(٢) أبو حية النميري : هو الهيثم بن الربيع ، شاعر من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية ، فصيح ، راجز ، من سكان البصرة ، أهوج ، جبان ، بخيل ، كذاب ، يعرف بأبي حية. مات في آخر خلافة المنصور سنة ١٥٨ ه‍ ، وقيل سنة بضع وثمانين ومئة (معجم الشعراء المخضرمين والأمويين ص ٥٢٠).

١٥٧

١٧٣ ـ أبالموت الذي لا بدّ أنّي

ملاق ـ لا أباك ـ تخوّفيني (١)

فحذف النون. ولو قرئت (فبم تبشّرونّ) بتثقيل النون كان جيدا ولم أسمعه ، كأن النون أدغمت وحذفت الياء كما تحذف من رؤوس الاي نحو (بل لّمّا يذوقوا عذاب) [ص : الآية ٨] يريد «عذابي». وأما قوله (فظلتم تفكّهون) [الواقعة : الآية ٦٥] فإنها إنما كسر أولها لأنه يقول : «ظللت» فلما ذهب أحد الحرفين استثقالا حولت حركته على الظاء. قال أوس بن مغراء (٢) : [البسيط]

١٧٤ ـ مسنا السّماء فنلناها وطالهم

حتّى رأوا أحدا يهوي وثهلانا (٣)

لأنها من «مسست» وقال بعضهم (فظلتم) ترك الظاء على فتحتها وحذف إحدى اللامين ، ومن قال هذا قال «مسنا السماء». وهذا الحذف ليس بمطرد ، وإنما حذف من هذه الحروف التي ذكرت لك خاصة ولا يحذف إلا في موضع لا تحرك فيه لام الفعل ، فأما الموضع الذي تحرك فيه لام الفعل فلا حذف فيه.

وقال (شقاق بينهما) [الآية ٣٥] فأضاف إلى البين لأنه قد يكون اسما قال (لقد تقطع بينكم) [الأنعام : ٩٤] بالضم. ولو قال (شقاقا بينهما) في الكلام فجعل البين ظرفا كان جائزا حسنا. ولو قلت (شقاق بينهما) [الآية ٣٥] تريد (مآ) وتحذفها جاز ، كما تقول (تقطع بينكم) تريد (مآ) [المسد : الآية ٢] التي تكون في معنى شيء. وقال (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) [آل عمران : الآية ٦٤]. وتقول «بينهما بون بعيد» تجعلها بالواو وذلك بالياء. ويقال : «بينهما بين بعيد» بالياء.

__________________

(١) البيت لأبي حية النميري في ديوانه ص ١٧٧ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٠٠ ، ١٠٥ ، ١٠٧ ، والدرر ٢ / ٢١٩ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢١١ ، ولسان العرب (خعل) ، (أبي) ، (فلا) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ١٣٢ ، والخصائص ١ / ٣٤٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٦ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٠١ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٢٤ ، وشرح المفصل ٢ / ١٠٥ ، واللامات ص ١٠٣ ، والمقتضب ٤ / ٣٧٥ ، والمقرب ١ / ١٩٧ ، والمنصف ٢ / ٣٣٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٣٣٧.

(٢) هو أوس بن مغراء بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. شاعر مخضرم أدرك الإسلام ، كان جيد الشعر يفخر بالإسلام والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والصحابة حتى أن الوليد بن عبد الملك قال لجرير يوم تاه عليهم الأخطل بقصيدة عمرو بن كلثوم : مغّر يا جرير. تهاجى أوس مع النابغة الجعدي زمنا طويلا ، واشترك في جيش سعد بن أبي وقاص. توفي نحو سنة ٥٥ ه‍ (معجم الشعراء المخضرمين والأمويين ص ٥٢).

(٣) البيت لابن مغراء في لسان العرب (مسس) ، وتهذيب اللغة ١٢ / ٣٢٥ ، وتاج العروس (مسس) ، وكتاب العين ٧ / ٢٠٩.

١٥٨

وقال (والجار الجنب) [الآية ٣٦] وقال بعضهم (الجنب) وقال الراجز :

١٧٥ ـ الناس جنب والأمير جنب (١)

يريد ب «جنب» : الناحية. وهذا هو المتنحى عن القرابة فلذلك قال «جنب» و «الجنب» أيضا : المجانب للقرابة. ويقال : «الجانب» أيضا.

وأما (والصّاحب بالجنب) [الآية ٣٦] فمعناه : «هو الذي بجنبك» ، كما تقول «فلان بجنبي» و «إلى جنبي».

قال (ولا يكتمون الله حديثا) [الآية ٤٢] أي : لا تكتمه الجوارح ، أو يقول : «لا يخفى عليه وإن كتموه».

وقال (يأيّها الّذين أوتوا الكتب) [الآية ٤٧] إلى قوله (مّن قبل أن نّطمس وجوها) [الآية ٤٧] يقول : من قبل يوم القيامة.

قال (وماذا عليهم لوءامنوا بالله واليوم الأخر) [الآية ٣٩] فإن شئت جعلت (ماذآ) بمنزلها وحدها ، وإن شئت جعلت (ذا) بمنزلة «الذي».

وقوله (ولا جنبا) [الآية ٤٣] في اللفظ واحد وهو للجمع كذلك ، وكذلك هو للرجال والنساء ، كما قال (والملئكة بعد ذلك ظهير) [التّحريم : الآية ٤] فجعل «الظهير» واحدا. والعرب تقول : «هم لي صديق». وقال : (عن اليمين وعن الشّمال قعيد) [ق : الآية ١٧] وهما قعيدان. وقال (إنا رسول ربك) وقال (فإنّهم عدوّ لّى) [الشّعراء : الآية ٧٧] لأن «فعول» و «فعيل» مما يجعل واحدا للاثنين والجمع.

وقال (لو تسوّى بهم الأرض) [الآية ٤٢] وقال بعضهم (تسوّى) وكل حسن.

وقال (ولا جنبا إلّا عابرى سبيل) [الآية ٤٣] لأنه قال (لا تقربوا الصّلوة وأنتم سكرى) [الآية ٤٣] فقوله (وأنتم سكرى) [الآية ٤٣] في موضع نصب على الحال ، فقال (ولا جنبا) [الآية ٤٣] على العطف كأنه قال : «ولا تقربوها جنبا إلّا عابري سبيل» ، كما تقول : «لا تأتي إلّا راكبا».

وقال (مّن الّذين هادوا يحرّفون الكلم عن مّواضعه) [الآية ٤٦] يقول «منهم قوم» فأضمر «القوم». قال النابغة الذبياني (٢) : [الوافر]

__________________

(١) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (جنب) ، وتهذيب اللغة ١١ / ١٢٢ ، وكتاب العين ٦ / ١٤٧.

(٢) النابغة الذبياني : تقدمت ترجمته.

١٥٩

١٧٦ ـ كأنّك من جمال بني أقيش

يقعقع بين رجليه بشنّ (١)

أي : كأنّك جمل منها. وكما قال (وإن مّن أهل الكتب إلّا ليؤمننّ به) [النّساء : الآية ١٥٩] أي : «وإن منهم واحد إلّا ليؤمننّ به». والعرب تقول : «رأيت الذي أمس» أي : «رأيت الذي جاءك أمس» أو «تكلّم أمس».

(واسمع غير مسمع ورعنا ليّا) [الآية ٤٦] وقوله (رعنا) أي : «راعنا سمعك». في معنى : أرعنا. وقوله (غير مسمع) [الآية ٤٦] أي : لا سمعت أي : لا سمعت. وأما (غير مسمع) [الآية ٤٦] أي : لا يسمع منك فأنت غير مسمع.

وقال (واسمع وانظرنا لكان خيرا لّهم) [الآية ٤٦]. وإنما قال (وانظرنا) [النّساء : الآية ٤٦] لأنّها من «نظرته» أي : «انتظرته». وقال (انظرونا نقتبس من نّوركم) [الحديد : الآية ١٣] أي : انتظروا. وأما قوله (يوم ينظر المرء ما قدّمت يداه) [النّبإ : الآية ٤٠] فإنما هي : إلى ما قدّمت يداه. قال الشاعر : [الخفيف]

١٧٧ ـ ظاهرات الجمال والحسن ينظر

ن كما تنظر الأراك الظّباء (٢)

وإن شئت كان (ينظر المرء ما قدّمت يداه) [النبإ : الآية ٤٠] على الاستفهام مثل قولك «ينظر خيرا قدّمت يداه أم شرّا».

وقال (بدّلنهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب) [الآية ٥٦] فإن قال قائل : «أليس إنما تعذب الجلود التي عصت ، فكيف يقول (غيرها) [الآية ٥٦]»؟ قلت : «إنّ العرب قد تقول : «أصوغ خاتما غير ذا» فيكسره ثم يصوغه صياغة أخرى. فهو الأول إلّا أن الصياغة تغيرت».

قال (وكفى بجهنّم سعيرا) [الآية ٥٥] فهذا مثل «دهين» و «صريع» لأنك تقول : «سعرت» ف «هي مسعورة» وقال (وإذا الجحيم سعّرت) (١٢) [التّكوير : الآية ١٢].

وقال (ويسلّموا تسليما) [الآية ٦٥] أي : (حتّى يحكّموك) [الآية ٦٥] وحتى

__________________

(١) البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٢٦ ، وخزانة الأدب ٥ / ٦٧ ، ٦٩. وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٥٨ ، وشرح المفصل ٣ / ٥٩ ، والكتاب ٢ / ٣٤٥ ، ولسان العرب (وقش) ، (قعع) ، (شنن) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٦٧ ، وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ١ / ٢٨٤ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٠١ ، وشرح المفصل ١ / ٦١ ، ولسان العرب (خدر) ، (أقش) ، (دنا) ، والمقتضب ٢ / ١٣٨.

(٢) يروى البيت بلفظ :

ظاهرات الجمال ينظرن هونا

مثل ما تنظر الأراك الظباء

والبيت بلا نسبة في أساس البلاغة (نظر).

١٦٠