معاني القرآن

أبي الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي البلخي البصري [ الأخفش الأوسط ]

معاني القرآن

المؤلف:

أبي الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي البلخي البصري [ الأخفش الأوسط ]


المحقق: إبراهيم شمس الدين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3518-X
الصفحات: ٣٦٠

وأعرضوا فهذا لأن : عرض عرضا. و: «عرضت عليه المنزل عرضا» و «عرض لي أمر عرضا» هذا مصدره. و «العرض من الخير والشرّ» : ما أصبت عرضا من الدنيا فانتفعت به تعني به الخير ، و «عرض لك عرض سوء».

وقال (مّنهم الصّلحون ومنهم دون ذلك) [الآية ١٦٨] لا نعلم أحدا يقرؤها إلّا نصبا.

وقال (سآء مثلا القوم) [الآية ١٧٧] فجعل «القوم» هم «المثل» في اللفظ وأراد : مثل القوم ، فحذف كما قال (وسئل القرية) [يوسف : ٨٢].

وقال (ولقد ذرأنا لجهنّم) [الآية ١٧٩] تقول : «ذرأ» «يذرأ» «ذرءا».

وقال (وذروا الّذين يلحدون فى أسمئه) [الآية ١٨٠] وقال بعضهم (يلحدون) جعله من «لحد» «يلحد» وهي لغة. وقال في موضع آخر (لّسان الّذى يلحدون) [النّحل : الآية ١٠٣] و (يلحدون) وهما لغتان ، و (يلحدون) أكثر وبها نقرأ ويقوّيها (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم) [الحجّ : الآية ٢٥].

وقال (ولكنّه أخلد إلى الأرض) [الآية ١٧٦] ولا نعلم أحدا يقول (خلد). وقوله (أخلد) [الآية ١٧٦] أي : لجأ إليها.

وقال (حملت حملا خفيفا) [الآية ١٨٩] لأنّ «الحمل» ما كان في الجوف و «الحمل» ما كان على الظهر. وقال (وتضع كلّ ذات حمل حملها) [الحجّ : الآية ٢]. وأما قوله (أثقلت) [الآية ١٨٩] فيقول : «صارت ذات ثقل» كما تقول «أتمرنا» أي : صرنا ذوي تمر» و «ألبنّا» [أي : صرنا ذوي لين] و «أعشبت الأرض» و «أكمأت» وقرأ بعضهم (فلما أثقلت).

وقال (جعلا له شركآء فيماءاتهما) [الآية ١٩٠] وقال بعضهم (شركا) لأنّ «الشرك» إنما هو : «الشركة» ، وكان ينبغي في قول من قال هذا أن يقول «فجعلا لغيره شركا فيما آتاهما».

وقال (إذا مسّهم طائف مّن الشّيطن) [الآية ٢٠١] و (الطيف) أكثر في كلام العرب. وقال الشاعر : [المتقارب]

٢١٩ ـ ألا يا لقوم لطيف الخيال

أرّق من نازح ذي دلال (١)

__________________

(١) البيت لأمية بن أبي عائذ الهذلي في خزانة الأدب ٢ / ٤٢٩ ، ٤٣٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ـ

٢٠١

ونقرؤها (طائف) [القلم : الآية ١٩] لأنّ عامة القراء عليها.

وقال (بالغدوّ والأصال) [الآية ٢٠٥] وتفسيرها «بالغدوات» كما تقول : «آتيك طلوع الشمس» أي : في وقت طلوع الشمس ، كما قال (بالعشيّ والإبكر) [آل عمران : الآية ٤١] وهو مثل «آتيك في الصبّاح وبالمساء» وأما (الآصال) فواحدها : «أصيل» مثل : «الأشرار» واحدها : «الشرير» و «الأيمان» واحدتها : «اليمين».

__________________

ـ ٤٦٧ ، وشرح أشعار الهذليين ٢ / ٤٩٤ ، والكتاب ٢ / ٢١٦ ، ولسان العرب (هيب) ، (طيف) ، (هول) ، وتاج العروس (طيف) ، ولأبي أمية في المقاصد النحوية ٤ / ٦٣ ، وبلا نسبة في الصاحبي في فقه اللغة ص ١١٤.

٢٠٢

ومن سورة الأنفال

الواحد من «الأنفال» : «النفل».

وقال (كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ) [الآية ٥] فهذه الكاف يجوز أن تكون على قوله (أولئك هم المؤمنون حقّا) [الآية ٤] (كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ) [الآية ٥]. وقال بعض أهل العلم (كمآ أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ) [الآية ٥] (فاتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) [الآية ١] فأضاف (ذات) إلى «البين» وجعله (ذات) [الآية ١] لأن بعض الأشياء يوضع عليه اسم مؤنث وبعضه يذكر نحو «الدار» و «الحائط» أنّثت «الدار» وذكّر «الحائط».

وقال (وإذ يعدكم الله إحدى الطّآئفتين أنّها لكم) [الآية ٧] فقوله (أنّها) [الشّورى : الآية ١٨] بدل من قوله (إحدى الطّآئفتين) [الآية ٧] وقال (غير ذات الشّوكة) [الآية ٧] فأنث لأنه يعني «الطائفة».

وقال (فاضربوا فوق الأعناق) [الآية ١٢] معناها : «اضربوا الأعناق» كما تقول : «رأيت نفس زيد» تريد «زيدا».

(واضربوا منهم كلّ بنان) [الآية ١٢] واحد «البنان» : «البنانة».

وقال (ذلكم فذوقوه وأنّ للكفرين) [الآية ١٤] كأنه جعل «ذلكم» خبرا لمبتدأ أو مبتدأ أضمر خبره حتى كأنه قال : «ذلكم الأمر» أو «الأمر ذلكم». ثم قال (وأنّ للكفرين عذاب النّار) [الآية ١٤] أي : الأمر ذلكم وهذا ، فلذلك انفتحت «أنّ». ومثل ذلك قوله (وأنّ الله موهن كيد الكفرين) [الآية ١٨]. وأمّا قول الشاعر : [البسيط]

٢٢٠ ـ ذاك وإنّي على جاري لذو حدب

أحنو عليه كما يحنى على الجار (١)

__________________

(١) البيت للأحوص في ديوانه ص ١٣٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، والكتاب ٣ / ١٢٥ ، ١٢٦ ، ولرجل من تيمم قريش في ذيل الأمالي ص ١٢٢ ، وبلا نسبة في الخصائص ٣ / ١٧٥.

٢٠٣

فإنما كسر «إنّ» لدخول اللام. قال الشاعر : [الطويل]

٢٢١ ـ وأعلم علما ليس بالظنّ أنّه

إذا ذلّ مولى المرء فهو ذليل (١)

وإنّ لسان المرء ما لم تكن له

حصاة على عوراته لدليل

فكسر الثانية لأن اللام بعدها. ومن العرب من يفتحها لأنه لا يدري أن بعدها لاما. وقد سمع مثل ذلك من العرب في قوله (أفلا يعلم إذا بعثر ما فى القبور (٩) وحصّل ما فى الصّدور (١٠) إنّ ربّهم يومئذ لّخبير) (١١) [العاديات : ٩ ـ ١١] ففتح وهو غير ذاكر للام وهذا غلط قبيح.

وقال (وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى) [الآية ١٧] تقول العرب : «والله ما ضربت غيره» وإنما ضربت أخاه كما تقول : «ضربه الأمير» والأمير لم يل ضربه. ومثل هذا في كلام العرب كثير.

وقال (واتّقوا فتنة لّا تصيبنّ الّذين ظلموا منكم خاصّة) [الآية ٢٥] فليس قوله ـ والله أعلم ـ (تصيبنّ) [الآية ٢٥] بجواب ولكنه نهي بعد أمر ، ولو كان جوابا ما دخلت النون.

وقال (اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك) [الآية ٣٢] فنصب (الحقّ) لأن (هو) ـ والله أعلم ـ جعلت ها هنا صلة في الكلام زائدة توكيدا كزيادة (مآ). ولا تزاد إلا في كل فعل لا يستغني عن خبر ، وليست (هو) بصفة ل (هذا) لأنك لو قلت : «رأيت هذا هو» لم يكن كلاما ولا تكون هذه المضمرة من صفة الظاهرة ولكنها تكون من صفة المضمرة في نحو قوله (ولكن كانوا هم الظّلمين) [الزّخرف : الآية ٧٦] و (تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا) [المزمّل : الآية ٢٠] لأنك تقول «وجدته هو» و «أتاني هو» فتكون صفة ، وقد تكون في هذا المعنى أيضا غير صفة ولكنها تكون زائدة كما كان في الأول.

وقد تجري في جميع هذا مجرى الاسم فيرفع ما بعده إن كان ما قبله ظاهرا أو مضمرا في لغة لبني تميم في قوله (إن كان هذا هو الحقّ) [الآية ٣٢]

__________________

(١) البيتان لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٨١ د ولسان العرب (حظرب) ، (أجأ) ، وأساس البلاغة (حصي) ، وكتاب العين ٧ / ١٧٧ ، وتاج العروس (حصي) ، ولكعب بن سعد الغنوي في لسان العرب (حصي) ، ولكعب بن سعد الغنوي أو لطرفة في تاج العروس (حصو) ، وبلا نسبة في كتاب العين ٣ / ٢٦٨ ، والمخصص ٣ / ١٩ ، ومقاييس اللغة ٢ / ٧٠ ، وتخليص الشواهد ص ٣٤٦.

٢٠٤

و (ولكن كانوا هم الظالمون) و (تجدوه عند الله هو خير وأعظم أجرا) كما تقول «كانوا آباؤهم الظالمون» وإنما جعلوا هذا المضمر نحو قولهم «هو» و «هما» و «أنت» زائدا في هذا المكان ولم يجعل في مواضع الصفة لأنه فصل أراد أن يبين به أنه ليس بصفة ما بعده لما قبله ولم يحتج إلى هذا في الموضع الذي لا يكون له خبر.

وقال (وما لهم ألّا يعذّبهم الله) [الآية ٣٤] ف (أن) ها هنا زائدة ـ والله أعلم ـ وقد عملت ، وقد جاء في الشعر ، قال : [البسيط]

لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها

إليّ لامت ذوو أحسابها عمرا (١)

وقوله (ولو تواعدتّم لاختلفتم فى الميعد ولكن لّيقضى الله أمرا كان مفعولا) [الآية ٤٢] وأمر الله كله مفعول ولكن أراد أن يقص الاحتجاج عليهم وقطع العذر قبل إهلاكهم.

وقال (وما كان صلاتهم عند البيت إلّا مكآء وتصدية) [الآية ٣٥] نصب على خبر «كان».

وقال (ليميّز الله الخبيث من الطّيّب) [الآية ٣٧] جعله من «ميّز» مثقلة ، وخففها بعضهم فقال (ليميز) [الآية ٣٧] من «ماز» «يميز» وبها نقرأ.

وقال (إذ أنتم بالعدوة الدّنيا) [الآية ٤٢] وقال بعضهم (بالعدوة) [الآية ٤٢] وبها نقرأ وهما لغتان. وقال بعض العرب الفصحاء : «العدية» فقلب الواو ياء كما تقلب الياء واوا في نحو «شروى» و «بلوى» لأن ذلك يفعل بها فيما هو نحن من ذا نحو «عصيّ» و «أرض مسنيّة» وفي قولهم «قنية» لأنها من «قنوت».

وقال (والرّكب أسفل منكم) [الآية ٤٢] فجعل «الأسفل» ظرفا ولو شئت قلت (أسفل منكم) [الآية ٤٢] إذا جعلته (الركب) ولم تجعله ظرفا.

وقال (ويحيى من حىّ عن بيّنة) [الآية ٤٢] فألزم الإدغام إذ صار في موضع يلزمه الفتح فصار مثل باب التضعيف. فإذا كان في موضع لا يلزمه الفتح لم يدغم نحو (بقدر على أن يحيى الموتى) [الأحقاف : الآية ٣٣] إلا أن تشاء أن تخفي وتكون في زنة متحرك لأنها لا تلزمه لأنك تقول (تحى) فتسكن في الرفع وتحذف في الجزم ، فكل هذا يمنعه الإدغام. وقال بعضهم (من حيي عن بيّنة) ولم يدغم

__________________

(١) تقدم البيت مع تخريجه برقم ١٤٧.

٢٠٥

إذا كان لا يدغمه في سائر ذلك. وهذا أقبح الوجهين لأنّ «حيي» مثل «خشي» لما صارت مثل غير التضعيف أجرى الياء الآخرة مثل ياء «خشي». وتقول للجميع «قد حيوا» كما تقول «قد خشوا» ولا تدغم لأن ياء «خشوا» تعتل ها هنا. وقال الشاعر : [الطويل]

٢٢٢ ـ وحيّ حسبناهم فوارس كهمس

حيوا بعد ما ماتوا من الدهر أعصرا (١)

وقد ثقّل بعضم وتركها على ما كانت عليه وذلك قبيح. قال الشاعر : [مجزوء الكامل]

٢٢٣ ـ عيّوا بأمرهم كما

عيّت ببيضتها الحمامة (٢)

جعلت له عودين من

نشم وآخر من ثمامه

وقال (ولو ترى إذ يتوفّى الّذين كفروا الملئكة يضربون وجوههم وأدبرهم وذوقوا عذاب الحريق) (٥٠) [الآية ٥٠] فأضمر الخبر والله أعلم. وقال الشاعر : [الخفيف]

إن يكن طبّك الدّلال فلو

في سالف الدّهر والسنين الخوالي (٣)

يريد بقوله «فلو في سالف الدهر» أن يقول : «فلو كان في سالف الدهر لكان كذا وكذا» فحذف هذا الكلام كلّه.

وقال (وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها) [الآية ٦١] فأنث «السّلم» وهو «الصلح»

__________________

(١) البيت لمودود العنبري في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٣٤ ، ولأبي حزابة الوليد بن حنيفة في شرح شواهد الإيضاح ، ص ٦٣٤ ، وشرح شواهد الشافية ص ٣٦٣ ، ولسان العرب (حيا) ، ولمودود أو لأبي حزابة في لسان العرب (كهمس) ، وبلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب ٣ / ١١٦ ، وشرح المفصل ١٠ / ١١٦ ، والكتاب ٤ / ٣٩٦ ، ولسان العرب (عيا) ، والمقتضب ١ / ١٨٢ ، والممتع في التصريف ٢ / ٥٧٩ ، والمنصف ٢ / ١٩٠.

(٢) البيتان لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص ١٣٨ ، وأدب الكاتب ص ٦٨ ، والحيوان ٣ / ١٨٩ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٣٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٦٣٣ ، وشرح المفصل ١٠ / ١١٥ ، وعيون الأخبار ٢ / ٨٥ ، ولسان العرب (حيا) ، (عيا) ، ولابن مفرغ الحميري في ملحق ديوانه ص ٢٤٤ ، ولسلامة بن جندل في ملحق ديوانه ص ٢٤٦ ، وبلا نسبة في الكتاب ٤ / ٣٩٦ ، والمقتضب ١ / ١٨٢ ، والمقرب ٢ / ١٥٤ ، والممتع في التصريف ٢ / ٥٧٨ ، والمنصف ٢ / ١٩١ ، وفيه : «النعامة» بدل : «الحمامة».

(٣) تقدم البيت مع تخريجه برقم ١٣١.

٢٠٦

وهي لغة لأهل الحجاز ولغة العرب الكسر.

وقال (فإنّ حسبك الله) [الآية ٦٢] لأنّ «حسبك» اسم.

وقال (ما لكم مّن وليتهم مّن شىء) [الآية ٧٢] وهو في الولاء. وأمّا في السلطان ف «الولاية» ولا أعلم كسر الواو في الأخرى إلا لغة.

وقال (والّذينءامنوا من بعد وهاجروا وجهدوا معكم فأولئك منكم) [الآية ٧٥] فجعل الخبر بالفاء كما تقول : «الذي يأتيني فله درهمان» فتلحق الفاء لما صارت في معنى المجازاة.

٢٠٧

ومن سورة براءة

وقال (وأذن مّن الله ورسوله) [الآية ٣] (أنّ الله برىء مّن المشركين) [الآية ٣] أي : بأنّ الله بريء وكذلك (وأنّ الله مخزى الكفرين) [الآية ٢] أي : بأن الله.

وقال (فإذا انسلخ الأشهر الحرم) [الآية ٥] فجمع على أدنى العدد لأن معناها «الأربعة» وذلك أن «الأشهر» إنما تكون إذا ذكرت معها «الثلاثة» إلى «العشرة» فإذا لم تذكر «الثلاثة» إلى «العشرة» فهي «الشّهور».

وقال (واقعدوا لهم كلّ مرصد) [الآية ٥] وألقى «على». وقال الشاعر : [الوافر]

نغالي اللّحم للأضياف نيئا

ونبذله إذا نضج القدور (١)

أراد : نغالى باللحم.

وقال (وإن أحد مّن المشركين استجارك) [الآية ٦] فابتدأ بعد «إن» ، وإن يكون رفع أحدا على فعل مضمر أقيس الوجهين لأن حروف المجازاة لا يبتدأ بعدها. إلا أنهم قد قالوا ذلك في «إن» لتمكنها وحسنها إذا وليتها الأسماء وليس بعدها فعل مجزوم في اللفظ كما قال الشاعر : [البسيط]

عاود هراة وإن معمورها خربا (٢)

وقال الآخر : [الكامل]

٢٢٤ ـ لا تجزعي إن منفسا أهلكته

وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي (٣)

__________________

(١) تقدم البيت مع تخريجه برقم ٥٦.

(٢) تقدم الشطر مع تخريجه برقم ١٧٨.

(٣) البيت للنمر بن تولب في ديوانه ص ٧٢ ، وتخليص الشواهد ص ٤٩٩ ، وخزانة الأدب ١ / ٣١٤ ، ٣٢١ ، ١١ / ٣٦ ، وسمط اللآلي ص ٤٦٨ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٦٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٧٢ ، ٢ / ٨٢٩ ، وشرح المفصل ٢ / ٣٨ ، والكتاب ١ / ١٣٤ ، ولسان العرب (نفس) ، (خلل) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٣٥ ، وبلا نسبة في الأزهية ص ٢٤٨ ، والأشباه والنظائر ٢ / ـ

٢٠٨

وقد زعموا أن قول الشاعر : [الطويل]

٢٢٥ ـ أتجزع إن نفس أتاها حمامها

فهلّا الّتي عن بين جنبيك تدفع (١)

لا ينشد إلّا رفعا وقد سقط الفعل على شيء من سببه. وهذا قد ابتدىء بعد «إن» وإن شئت جعلته رفعا بفعل مضمر.

وقال (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلّا الّذين) [الآية ٧] فهذا استثناء خارج من أول الكلام. و (الّذين) في موضع نصب.

وقال (كيف وأن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم) [الآية ٨] فأضمر كأنه قال «كيف لا تقتلونهم» والله أعلم.

وقال (وإن نّكثوا أيمنهم مّن بعد عهدهم) [الآية ١٢] قال (فقتلوا أئمّة الكفر) [الآية ١٢] فجعل الهمزة ياء لأنها في موضع كسر وما قبلها مفتوح ولم يهمز لاجتماع الهمزتين. ومن كان من رأيه جمع الهمزتين همز.

وقال (وهمّوا بإخراج الرّسول) [الآية ١٣] لأنك تقول «هممت بكذا» و «أهمّني كذا».

وقال (فى مواطن كثيرة) [الآية ٢٥] لا تنصرف. وكذلك كل جمع ثالث حروفه ألف وبعد الألف حرف ثقيل أو اثنان خفيفان فصاعدا فهو لا ينصرف في المعرفة ولا النكرة نحو «محاريب» و «تماثيل» و «مساجد» وأشباه ذلك إلا أن يكون في آخره الهاء فإن كانت في آخره الهاء انصرف في النكرة نحو «طيالسة» و «صياقلة». وإنما منع العرب من صرف هذا الجمع أنه مثال لا يكون للواحد ولا يكون إلّا للجمع والجمع أثقل من الواحد. فلما كان هذا المثال لا يكون إلّا للأثقل

__________________

ـ ١٥١ ، والجنى الداني ص ٧٢ ، وجواهر الأدب ص ٦٧ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٢ ، ٩ / ٤١ ، ٤٣ ، ٤٤ ، والرد على النحاة ص ١١٤ ، وشرح الأشموني ١ / ١٨٨ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٦٤ ، وشرح قطر الندى ص ١٩٥ ، ولسان العرب (عمر) ، ومغني اللبيب ١ / ١٦٦ ، ٤٠٣ ، والمقتضب ٢ / ٧٦.

(١) البيت لزيد بن رزين في جواهر الأدب ص ٣٢٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٣٦ ، وله أو لرجل من محارب في ذيل أمالي القالي ص ١٠٥ ، وذيل سمط اللآلي ص ٤٩ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٤٨ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٤٤ ، وتاج العروس (عنن) ، والدرر ٤ / ١٠٧ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٥ ، وشرح التصريح ٢ / ١٦ ، والمحتسب ١ / ٢٨١ ، ومغني اللبيب ١ / ١٤٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢٢.

٢٠٩

لم يصرف. وأما الذي في آخره الهاء فانصرف لأنها منفصلة كأنها اسم على حيالها. والانصراف إنما يقع في آخر الاسم فوقع على الهاء فلذلك انصرف فشبه ب «حضرموت» و «حضرموت» مصروف في النكرة.

وقال (وإن خفتم عيلة) [الآية ٢٨] وهو «الفقر» تقول : «عال» «يعيل» «عيلة» أي : «افتقر». و «أعال» «إعالة» : إذا صار صاحب عيال. و «عال عياله» و «هو يعولهم» «عولا» و «عيالة». وقال (ذلك أدنى أن لا تعولوا) [النساء : ٣] أي : ألّا تعولوا العيال. و «أعال الرجل» «يعيل» إذا صار ذا عيال.

وقال (وقالت اليهود عزير ابن الله) [الآية ٣٠] وقد طرح بعضهم التنوين وذلك رديء لأنه إنما يترك التنوين إذا كان الاسم يستغني عن الابن وكان ينسب إلى اسم معروف. فالاسم ها هنا لا يستغني. ولو قلت «وقالت اليهود عزير» لم يتم كلاما إلا أنه قد قرىء وكثر وبه نقرأ على الحكاية كأنهم أرادوا «وقالت اليهود نبيّنا عزير ابن الله».

وقال (ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره) [الآية ٣٢] لأن (أن يتمّ) اسم كأنه «يأبى الله إلّا إتمام نوره».

وقال (يكنزون الذّهب والفضّة) [الآية ٣٤] ثم قال (يحمى عليها فى نار جهنّم) [الآية ٣٥] فجعل الكلام على الآخر. وقال الشاعر : [المنسرح]

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرأي مختلف (١)

وقال (إنّما النّسىء زيادة فى الكفر) [الآية ٣٧] وهو التأخير. وتقول «أنسأته الدّين» إذا جعلته إليه يؤخره هو. و: «نسأت عنه دينه» أي : أخّرته عنه.

وإنما قلت : «أنسأته الدّين» لأنّك تقول : «جعلته له يؤخره» و «نسأت عنه دينه» «فأنا أنسؤه» أي : أؤخّره. وكذلك «النّساء في العمر» يقال : «من سرّه النّساء في العمر» ، ويقال «عرق النّسا» غير مهموز.

وقال (لّيواطئوا) [الآية ٣٧] لأنّها من «واطأت» ومثله (هي أشد وطئا) [المزمل : ٦] أي : مواطأة ، وهي المواتاة وبعضهم قال (وطءا) أي : قياما.

وقال (اثّاقلتم إلى الأرض) [الآية ٣٨] لأنّه من «تثاقلتم» فأدغم التاء في الثاء فسكنت فأحدث لها ألفا ليصل إلى الكلام بها.

__________________

(١) تقدم البيت مع تخريجه برقم ٦٠.

٢١٠

وقال (وكلمة الله هى العليا) [الآية ٤٠] لأنه لم يحمله على (جعل) وحمله على الابتداء.

وقال (ولكن كره الله انبعاثهم) [الآية ٤٦] جعله من «بعثته» ف «انبعث» وسمعت من العرب من يقول : «لو دعينا لاندعينا». وتقول : «انبعث انبعاثا» أي : «بعثته» ف «انبعث انبعاثا» وتقول : «انقطع به» إذا تكلم فانقطع به ولا تقول «قطع به».

وقال (انفروا خفافا وثقالا) [الآية ٤١] في هذه الحال. إن شئت (انفروا) في لغة من قال «ينفر» وإن شئت (انفروا).

وقال (عفا الله عنك لم أذنت لهم) [الآية ٤٣] لأنّه استفهام أي : «لأيّ شيء».

وقال (لو يجدون ملجا أو مغرت أو مدّخلا) [الآية ٥٧] لأنه من «ادّخل» «يدّخل» وقال بعضهم (مدخلا) جعله من «دخل» «يدخل» وهي فيما أعلم أردأ الوجهين. ويذكرون أنها في قراءة أبي (١) (مندخلا) أراد شيئا بعد شيء. وإنما قال (مغرت) [الآية ٥٧] لأنها من «أغار» فالمكان «مغار» قال الشاعر : [البسيط]

الحمد لله ممسانا ومصبحنا

بالخير صبحنا ربّي ومسّانا (٢)

لأنّها من «أمسى» و «أصبح» وإذا وقفت على «ملجأ» قلت «ملجأا» لأنه نصب منون فتقف بالألف نحو قولك «رأيت زيدا».

وقال (ثانى اثنين) [الآية ٤٠] وكذلك «ثالث ثلاثة» وهو كلام العرب. وقد يجوز «ثاني واحد» و «ثالث اثنين» وفي كتاب الله (ما يكون من نّجوى ثلاثة إلّا هو رابعهم ولا خمسة إلّا هو سادسهم) [المجادلة : ٧] (سيقولون ثلاثة رّابعهم كلبهم) [الكهف : ٢٢] و (خمسة سادسهم كلبهم) [الكهف : الآية ٢٢] و (سبعة وثامنهم كلبهم) [الكهف : الآية ٢٢].

وقال (ومنهم مّن يلمزك) [الآية ٥٨] وقال بعضهم (يلمزك).

__________________

(١) أبي : هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد ، من بني النجار ، من الخزرج ، صحابي أنصاري ، كان قبل الإسلام حبرا من أحبار اليهود ، توفي سنة ٢١ ه‍ (الأعلام ١ / ٨٢).

(٢) تقدم البيت مع تخريجه برقم ١٧١.

٢١١

وقال (قل أذن خير لّكم) [الآية ٦١] أي : هو أذن خير لا أذن شرّ. وقال بعضهم (أذن خير لكم) والأولى أحسنهما لأنك لو قلت «هو أذن خير لكم» لم يكن في حسن (هو أذن خير لكم) وهذا جائز على أن تجعل (لكم) صفة «الأذن».

وقال (ورحمة لّلّذينءامنوا منكم) [الآية ٦١] أي : وهو رحمة.

وقال (ألم يعلموا أنّه من يحادد الله ورسوله فإنّ له) [الآية ٦٣] فكسر الألف لأن الفاء التي هي جواب المجازاة ما بعدها مستأنف.

وقال (يحلفون بالله لكم ليرضوكم) [الآية ٦٢] و «سيحلفون بالله لكم ليرضوكم» ولا أعلمه إلّا على قوله «ليرضنّكم» كما قال الشاعر : [الطويل]

٢٢٦ ـ إذا قلت قدني قال بالله حلفة

لتغني عنّي ذا أنائك أجمعا (١)

أي : لتغنينّ عني. وهو نحو (ولتصغى إليه أفئدة الّذين لا يؤمنون بالأخرة) [الأنعام : الآية ١١٣] أي : ولتصغينّ.

وقال (فرح المخلّفون بمقعدهم خلف رسول الله) [الآية ٨١] أي : مخالفة. وقال بعضهم (خلف) و (خلاف) أصوبهما لأنهم خالفوا مثل «قاتلوا قتالا» ولأنه مصدر «خالفوا».

وقال (وجآء المعذرون) [الآية ٩٠] خفيفة لأنها من «أعذروا» وقال بعضهم (المعذّرون) ثقيلة يريد : «المعتذرون» ولكنه أدغم التاء في الذال كما قال (يخصّمون) [يس : الآية ٤٩] وبها نقرأ. وقد يكون (المعذرون) بكسر العين لاجتماع الساكنين وإنما فتح لأنه حول فتحة التاء عليها. وقد يكون أن تضم العين تتبعها الميم وهذا مثل (المردفين).

وقال (عليهم دائرة السّوء) [الآية ٩٨] كما تقول : «هذا رجل السّوء» وقال الشاعر : [الطويل]

__________________

(١) البيت لحريث بن عتاب في خزانة الأدب ١١ / ٤٣٤ ، ٤٣٥ ، ٤٣٩ ، ٤٤١ ، ٤٤٣ ، والدرر ٤ / ٢١٧ ، ومجالس ثعلب ص ٦٠٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ٣٥٤ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٠٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٥٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٥٩ ، ٨٣٠ ، وشرح المفصل ٣ / ٨ ، ومغني اللبيب ١ / ٢١٠ ، والمقرب ٢ / ٧٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ٤١.

٢١٢

٢٢٧ ـ وكنت كذئب السّوء لمّا رأى دما

بصاحبة يوما أحار على الدّم (١)

وقد قرئت (دائرة السّوء) وذا ضعيف لأنك إذا قلت «كانت عليهم دائرة السوء» كان أحسن من «رجل السوء» ألا ترى أنك تقول : «كانت عليهم دائرة الهزيمة» لأنّ الرجل لا يضاف إلى السّوء كما يضاف هذا لأن هذا يفسر به الخير والشر كما نقول : «سلكت طريق الشر» و «تركت طريق الخير».

وقال (والسّبقون الأوّلون من المهجرين والأنصار) [الآية ١٠٠] وقال بعضهم (والأنصار) رفع عطفه على قوله (والسّابقون) والوجه هو الجر لأن السابقين الأولين كانوا من الفريقين جميعا.

وقال (هار فانهار به) [الآية ١٠٩] فذكروا أنه من «يهور» وهو مقلوب وأصله «هائر» ولكن قلب مثل ما قلب «شاك السّلاح» وإنما هو «شائك».

وقال (خذ من أمولهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم بها) [الآية ١٠٣] فقوله (وتزكّيهم بها) [الآية ١٠٣] على الابتداء وإن شئت جعلته من صفة الصدقة ثم جئت بها توكيدا. وكذلك (تطهّرهم).

وقال (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) [الآية ٦١] أي : يصدقهم كما تقول للرجل «أنا ما يؤمن لي بأن أقول كذا وكذا» أي : ما يصدقني.

وقال (أسّس على التّقوى من أوّل يوم أحقّ) [الآية ١٠٨] يريد : «منذ أوّل يوم» لأن من العرب من يقول «لم أره من يوم كذا» يريد «منذ أوّل يوم» يريد به «من أوّل الأيّام» كقولك «لقيت كلّ رجل» تريد به «كلّ الرجال».

وقال (وءاخرون مرجئون) [الآية ١٠٦] لأنه من «أرجأت» وقال بعضهم (مرجون) في لغة من قال (أرجيت).

وقال (ريبة فى قلوبهم إلّا أن تقطّع) [الآية ١١٠] و (تقطّع) في قول بعضهم وكل حسن.

وقال (التّائبون العبدون) [الآية ١١٢] إلى رأس الآية ثم فسر (وبشّر

__________________

(١) البيت للفرزدق في ديوانه ٢ / ١٨٧ ، ولسان العرب (سوأ) ، (حول) ، والتنبيه والإيضاح ١ / ٢٠ ، وتهذيب اللغة ٥ / ٢٤٦ ، وتاج العروس (سوأ) ، (حول) ، وبلا نسبة في لسان العرب (دمي) ، وتاج العروس (دمي).

٢١٣

المؤمنين) [الآية ٢٢٣] لأن قوله ـ والله أعلم ـ (التّئبون) [الآية ١١٢] إنما هو تفسير لقوله (إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم) [الآية ١١١] ثم فسر فقال «هم التّائبون».

ثم قال (ما كان للنّبىّ والّذينءامنوا أن يستغفروا للمشركين) [الآية ١١٣] يقول «وما كان لهم استغفار للمشركين» وقال (وما كان لنفس أن تؤمن إلّا بإذن الله) [يونس : ١٠٠]. أي ما كان لها الإيمان إلا بإذن الله.

وقال (إلّا عن مّوعدة وعدها إيّاه) [الآية ١١٤] يريد «إلّا من بعد موعدة» كما تقول : «ما كان هذا الشرّ إلّا عن قول كان بينكما» أي : عن ذلك صار.

وقال (من بعد ما كاد يزيغ قلوب) [الآية ١١٧] وقال بعضهم (تزيغ) جعل في (كاد) و (كادت) اسما مضمرا ورفع القلوب على (تزيغ) وإن شئت رفعتها على (كاد) وجعلت (تزيغ) حالا وإن شئت جعلته مشبها ب «كان» فأضمرت في (كاد) اسما وجعلت (تزيغ قلوب) في موضع الخبر.

وقال (وظنّوا أن لّا ملجأ) [الآية ١١٨] وهي هكذا إذا وقفت عليها ولا تقول (ملجأا) لأنه ليس ها هنا نون. ألا ترى أنك لو وقفت على «لا خوف» لم تلحق ألفا. وأمّا «لو يجدون ملجأا» فالوقف عليه بالألف لأن النصب فيه منون.

وقال (وليجدوا فيكم غلظة) [الآية ١٢٣] وبها نقرأ. وقال بعضهم (غلظة) وهما لغتان.

وقال (أيّكم زادته هذه إيمنا) [الآية ١٢٤] ف «أيّ» مرفوع بالابتداء لسقوط الفعل على الهاء فإن قلت : «ألا تضمر في أوله فعلا» كما قال (أبشرا مّنّا وحدا) [القمر : الآية ٢٤] فلأن قبل «بشر» حرف استفهام وهو أولى بالفعل و (أيّ) استغنى به عن حرف الاستفهام فلم يقع قبله شيء هو أولى بالفعل فصارت مثل قولك «زيد ضربته». ومن نصب «زيدا ضربته» في الخبر نصب «أيّ» ها هنا.

وقال (نّظر بعضهم إلى بعض هل يراكم مّن أحد) [الآية ١٢٧] كأنه قال «قال بعضهم لبعض» لأن نظرهم في هذا المكان كان إيماء أو شبيها به ، والله أعلم.

وقال (عزيز عليه ما عنتّم) [الآية ١٢٨] جعل (ما) اسما و (عنتّم) من صلته.

وقال (خلطوا عملا صلحا وءاخر سيّئا) [الآية ١٠٢] فيجوز في العربية أن تكون «بآخر» كما تقول : «استوى الماء والخشبة» أي : «بالخشبة» و «خلطت الماء واللّبن» أي «بالّلبن».

٢١٤

ومن سورة يونس

قال (أنّ لهم قدم صدق) [الآية ٢] القدم ها هنا : التقديم ، كما تقول : «هؤلاء أهل القدم في الإسلام» أي : الذين قدموا خيرا فكان لهم فيه تقديم.

وقال (وقدّره منازل) [الآية ٥] ثقيلة فجعل (وقدّره) مما يتعدى إلى مفعولين كأنه «وجعله منازل». وقال (جعل الشّمس ضيآء والقمر نورا) [الآية ٥] فجعل القمر هو النور كما تقول : «جعله الله خلقا» وهو «مخلوق» و «هذا الدرهم ضرب الأمير». وهو «مضروب». وقال (وقولوا للنّاس حسنا) [البقرة : الآية ٨٣] فجعل الحسن هو المفعول كالخلق.

وقال (وقدّره منازل) [الآية ٥] وقد ذكر الشمس والقمر كما قال (والله ورسوله أحقّ أن يرضوه) [التّوبة : الآية ٦٢].

وقال (كأن لّم يدعنآ إلى ضرّ مّسّه) [الآية ١٢] و (كأن لّم يلبثوا إلّا ساعة) [الآية ٤٥] وهذا في الكلام كثير وهي «كأنّ» الثقيلة ولكنه أضمر فيها فخفف كما تخفف (أنّ) ويضمر فيها وإنما هي «كأنّه لم» وقال الشاعر : [الخفيف]

٢٢٨ ـ وي كأن من يكن له نشب يح

بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ (١)

وكما قال : [الهزج]

٢٢٩ ـ وصدر مشرق النّحر

كأن ثدياه حقّان (٢)

__________________

(١) البيت لزيد بن عمرو بن نفيل في خزانة الأدب ٦ / ٤٠٤ ، ٤٠٨ ، ٤١٠ ، والدرر ٥ / ٣٠٥ ، وذيل سمط اللآلي ص ١٠٣ ، والكتاب ٢ / ١٥٥ ، ولنبيه بن الحجاج في الأغاني ١٧ / ٢٠٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١١ ، ولسان العرب (وا) ، (ويا) ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٣٥٣ ، والخصائص ٣ / ٤١ ، ١٦٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٨٦ ، وشرح المفصل ٤ / ٧٦ ، ومجالس ثعلب ١ / ٣٨٩ ، والمحتسب ٢ / ١٥٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٠٦.

(٢) البيت بلا نسبة في الإنصاف ١ / ١٩٧ ، وأوضح المسالك ١ / ٣١٨ ، وتخليص الشواهد ص ٣٨٩ ، والجنى الداني ص ٥٧٥ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٣٩٢ ، ٣٩٤ ، ٣٩٨ ، ٣٩٩ ، ٤٠٠ ، ٤٤٠ ، والدرر ٢ / ١٩٩ ، وشرح الأشموني ١ / ١٤٧ ، وشرح التصريح ١ / ١٣٤ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٦٩ ، ـ

٢١٥

أي : كأنه ثدياه حقّان. وقال بعضهم «كأن ثدييه» فخففها وأعملها ولم يضمر فيها كما قال (إن كلّ نفس لّمّا عليها حافظ) (٤) [الطارق : ٤] أراد معنى الثقيلة فأعملها كما يعمل الثقيلة ولم يضمر فيها.

وقال (وما كان النّاس إلّآ أمّة وحدة) [الآية ١٩] على خبر «كان» كما قال (إن كانت إلّا صيحة وحدة) [يس : الآية ٢٩]. أي «إن كانت تلك إلا صيحة واحدة».

وقال (يهديهم ربّهم بإيمنهم تجرى من تحتهم الأنهر) [الآية ٩] كأنه جعل (تجرى) مبتدأة منقطعة من الأول.

وقال (حتّى إذا كنتم فى الفلك وجرين بهم) [الآية ٢٢] وإنما قال (وجرين بهم) [الآية ٢٢] لأنّ (الفلك) يكون واحدا وجماعة. قال (فى الفلك المشحون) [الشّعراء : الآية ١١٩] وهو مذكر. وأما (حتّى إذا كنتم فى الفلك) [الآية ٢٢] فجوابه قوله (جآءتها ريح عاصف) [الآية ٢٢].

وأما قوله (دّعوا الله) [الآية ٢٢] فجواب لقوله (وظنّوا أنّهم أحيط بهم) [الآية ٢٢] وإنما قال (بهم) وقد قال (كنتم) لأنه يجوز أن تذكر غائبا ثم تخاطب إذا كنت تعنيه ، وتخاطب ثم تجعله في لفظ غائب كقول الشاعر : [الطويل]

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة

لدينا ولا مقليّة أن تقلّت (١)

وقال (إنّما بغيكم على أنفسكم مّتاع الحيوة الدّنيا) [الآية ٢٣] أي : وذلك متاع الحياة الدنيا ، وأراد «متاعكم متاع الحياة الدّنيا».

وقال (كمآء أنزلنه) [الآية ٢٤] يريد : كمثل ماء.

وقال (وازّيّنت) [الآية ٢٤] يريد «وتزيّنت» ولكن أدغم التاء في الزاي لقرب المخرجين فلما سكن أولها زيد فيها وصل وقال (وازّيّنت) ثقيلة «ازّيّنا» يريد المصدر وهو من «التزين» وإنما زاد الألف حين أدغم ليصل الكلام لأنه لا يبتدأ بساكن.

__________________

ـ وشرح ابن عقيل ص ١٩٧ ، وشرح قطر الندى ص ١٥٨ ، وشرح المفصل ٨ / ٨٢ ، والكتاب ٢ / ١٣٥ ، ١٤٠ ، ولسان العرب (أنن) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٠٥ ، والمنصف ٣ / ١٢٨ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤٣.

(١) تقدم البيت مع تخريجه برقم ١١٠.

٢١٦

وقال (ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلّة) [الآية ٢٦] لأنه من «رهق» «يرهق» «رهقا».

وقال (فأتوا بسورة مّثله) [الآية ٣٨] وهذا ـ والله أعلم ـ «على مثل سورته» وألقى السورة كما قال (واسئل القرية) [يوسف : الآية ٨٢] يريد «أهل القرية».

وقال (جزآء سيّئة بمثلها) [الآية ٢٧] وزيدت الباء كما زيدت في قولك (بحسبك قول السوء).

وقال (كأنّمآ أغشيت وجوههم قطعا مّن الّيل مظلما) [الآية ٢٧] فالعين ساكنة لأنه ليس جماعة «القطعة» ولكنه «قطع» اسم على حياله. وقال عامّة الناس (قطعا) يريدون به جماعة «القطعة» ويقوي الأول قوله (مظلما) لأن «القطع» واحد فيكون «المظلم» من صفته. والذين قالوا «القطع» يعنون به الجمع وقالوا «نجعل مظلما» حالا ل «اللّيل». والأوّل أبين الوجهين.

وقال (مكانكم أنتم وشركآؤكم) [الآية ٢٨] لأنه في معنى «انتظروا أنتم وشركاؤكم».

وقال (هنالك تبلوا كلّ نفس مّآ أسلفت) [الآية ٣٠] أي : تخبر. وقال بعضهم (تتلو) أي : تتبعه.

وقال (أمّن يملك السّمع والأبصر) [الآية ٣١] فإن قلت «كيف دخلت (أم) على (من) فلأن (من) ليست في الأصل للاستفهام وإنما يستغنى بها عن الألف فلذلك أدخلت عليها (أم) كما أدخلت على (هل) حرف الاستفهام وإنما الاستفهام في الأصل الألف. و (أم) تدخل لمعنى لا بد منه. قال الشاعر : [الطويل]

٢٣٠ ـ أبا مالك هل لمتني مذ حضضتني

على القتل أم هل لامني لك لائم (١)

وقال (مّاذا يستعجل منه المجرمون) [الآية ٥٠] فإن شئت جعلت (ماذا) اسما بمنزلة (ما) وإن شئت جعلت (ذا) بمنزلة «الذي».

__________________

(١) البيت للجحاف بن حكيم في الدرر ٦ / ١٠٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٨ ، ولسان العرب (أمم) ، والمؤتلف والمختلف ص ٧٦ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٨ / ٢٧٧ ، ٢٨٠ ، ٣١٦ ، والكتاب ٣ / ١٧٦ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٨١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٣.

٢١٧

وقال (ويستنبئونك أحقّ هو) [الآية ٥٣] كأنه قال «ويقولون أحقّ هو».

وقال (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مّمّا يجمعون) (٥٨) [الآية ٥٨] وقال بعضهم (تجمعون) أي : تجمعون يا معشر الكفار. وقال بعضهم (فلتفرحوا) وهي لغة العرب ردية لأن هذه اللام إنما تدخل في الموضع الذي لا يقدر فيه على «أفعل» ؛ يقولون : «ليقل زيد» لأنك لا تقدر على «أفعل». ولا تدخل اللام إذا كلمت الرجل فقلت «قل» ولم تحتج إلى اللام. وقوله (فبذلك) [الآية ٥٨] بدل من قوله (قل بفضل الله وبرحمته) [الآية ٥٨].

وقال (وما يعزب عن رّبّك من مّثقال ذرّة فى الأرض ولا فى السّماء ولا أصغر من ذلك ولآ أكبر) [الآية ٦١] أيّ : «ولا يعزب عنه أصغر من ذلك ولا أكبر» بالرفع.

وقال بعضهم (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) بالفتح أي : «ولا من أصغر من ذلك ولا من أكبر» ولكنه «أفعل» ولا ينصرف وهذا أجود في العربية وأكثر في القراءة وبه نقرأ.

وقال (فأجمعوا أمركم وشركآءكم) [الآية ٧١] وقال بعضهم (وشركاؤكم) والنصب أحسن لأنك لا تجري الظاهر المرفوع على المضمر المرفوع إلا أنه قد حسن في هذا للفصل الذي بينهما كما قال (أءذا كنّا تربا وءابآؤنا) [النمل : ٦٧] فحسن لأنه فصل بينهما بقوله ترابا. وقال بعضهم (فأجمعوا) لأنّهم ذهبوا به إلى «العزم» لأنّ العرب تقول «أجمعت أمري» أي : أجمعت على أن أقول كذا وكذا. أي عزمت عليه. وبالمقطوع نقرأ.

وقال (ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة) [الآية ٧١] ف (يكن) جزم بالنهي.

وقال (أتقولون للحقّ لمّا جآءكم أسحر هذا) [الآية ٧٧] على الحكاية لقولهم ، لأنهم قالوا «أسحر هذا» فقال (أتقولون) (أسحر هذا).

وقال (لتلفتنا) [الآية ٧٨] لأنّك تقول : «لفته» ف «أنا ألفته» «لفتا» أي : ألويه عن حقه.

وقال (ما جئتم به السّحر) [الآية ٨١] يقول : «الذي جئتم به السحر» وقال بعضهم (آلسّحر) بالاستفهام.

وقال (على خوف مّن فرعون وملإيهم) [الآية ٨٣] يعني ملأ الذرّيّة.

٢١٨

وقال (ربّنا اطمس على أمولهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا) [الآية ٨٨] فنصبها لأن جواب الدعاء بالفاء نصب وكذلك في الدعاء إذا عصوا.

وقال (ربّنا ليضلّوا عن سبيلك) [الآية ٨٨] أيّ : فضلّوا. كما قال (فالتقطهءال فرعون ليكون لهم عدوّا وحزنا) [القصص : [الآية ٨] أي : فكان. وهم لم يلقطوه ليكون لهم عدوا وحزنا وإنما لقطوه فكان فهذه اللام تجيء في هذا المعنى.

وقوله : (فلا يؤمنوا) [الآية ٨٨] عطف على (ليضلّوا) [الآية ٨٨].

وقال (فاليوم ننجّيك ببدنك) [الآية ٩٢] وقال بعضهم (ننجيك) وقوله (ببدنك) [الآية ٩٢] أي : لا روح فيه.

وقال بعضهم : (ننجّيك) : نرفعك على نجوة من الأرض. وليس قولهم : «أنّ البدن ها هنا» «الدرع» بشيء ولا له معنى.

وقال (ولو جآءتهم كلّءاية) [الآية ٩٧] فأنث فعل الكل لأنه أضافه إلى الآية وهي مؤنثة.

وقال (لأمن من فى الأرض كلّهم جميعا) [الآية ٩٩] فجاء بقوله (جميعا) توكيدا ، كما قال (لا تتّخذوا إلهين اثنين) [النّحل : الآية ٥١] ففي قوله (إلهين) دليل على الاثنين.

وقال (كذلك حقّا علينا ننج المؤمنين) [الآية ١٠٣] يقول : «كذلك ننجي المؤمنين حقّا علينا».

وقال (وأن أقم وجهك للدّين حنيفا) [الآية ١٠٥] أي : وأمرت أن أقم وجهك للدين.

٢١٩

ومن سورة هود

قال (ألآ إنّهم يثنون صدورهم) [الآية ٥] وقال بعضهم (تثنوني صدورهم) جعله على «تفعوعل» مثل «تعجوجل» وهي قراءة الأعمش (١).

وقال (إنّه لفرح فخور (١٠) إلّا الّذين صبروا) [الآيتان ١٠ و ١١] فجعله خارجا من أوّل الكلام على معنى «ولكنّ» وقد فعلوا هذا فيما هو من أوّل الكلام فنصبوا. وقال الشاعر : [البسيط]

٢٣١ ـ يا صاحبيّ ألا لا حيّ بالوادي

إلّا عبيدا قعودا بين أوتاد (٢)

فتنشده العرب نصبا.

وقال (ومن قبله كتب موسى إماما ورحمة) [الآية ١٧] على خبر المعرفة.

وقال (فلا تك فى مرية مّنه) [الآية ١٧] وقال بعضهم (مرية) تكسر وتضم وهما لغتان.

وقال (مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ) [الآية ٢٤] يقول «كمثل الأعمى والأصمّ».

وقال (إلّا الّذين هم أراذلنا بادى الرّأى) [الآية ٢٧] أي : في ظاهر الرأي. وليس بمهموز لأنّه من «بدا» «يبدو» أي : ظهر. وقال بعضهم (بادىء الرأي) أي : فيما يبدأ به من الرأي.

وقال (قالوا ينوح قد جدلتنا فأكثرت جدلنا) [الآية ٣٢] وقال بعضهم (جدلنا) وهما لغتان.

__________________

(١) الأعمش : هو سليمان بن مهران الأعمش ، أبو محمد الأسدي الكوفي ، ولد سنة ٦٠ ه‍ ، وتوفي سنة ١٤٨ ه‍ (غاية النهاية في طبقات القراء ١ / ٣١٥).

(٢) البيت لصخر الغي الهذلي في ديوانه ص ٧١ ، وشرح أشعار الهذليين ص ٩٣٩ ، والمحتسب ٢ / ٢٩٢.

٢٢٠