معاني القرآن

أبي الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي البلخي البصري [ الأخفش الأوسط ]

معاني القرآن

المؤلف:

أبي الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي البلخي البصري [ الأخفش الأوسط ]


المحقق: إبراهيم شمس الدين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3518-X
الصفحات: ٣٦٠

وقال (قلنا احمل فيها من كلّ زوجين اثنين) [الآية ٤٠] فجعل الزوجين الضربين الذكور الإناث. وزعم يونس أن قول الشاعر : [الطويل]

٢٣٢ ـ وأنت امرؤ تعدو على كلّ غرّة

فتخطىء فيها مرّة وتصيب (١)

يعني الذئب فهذا أشد من ذلك.

وقال (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرسها) [الآية ٤١] إذا جعلت من «أجريت» و «أرسيت» وقال بعضهم (مجراها ومرساها) إذا جعلت من «جريت» وقال بعضهم (مجريها ومرسيها) لأنه أراد أن يجعل ذلك صفة لله عزوجل.

وقال (ساوى إلى جبل يعصمنى) [الآية ٤٣] فقطع (سآوي) لأنّه «أفعل» وهو يعني نفسه.

وقال (لا عاصم اليوم من أمر الله إلّا من رّحم) [الآية ٤٣] ويجوز أن يكون على «لا ذا عصمة» أي : معصوم ويكون (إلّا من رّحم) [الآية ٤٣] رفعا بدلا من العاصم.

وقال (إنّه عمل غير صلح) [الآية ٤٦] منوّن لأنه حين قال ـ والله أعلم (فلا تسئلن ما ليس لك به علم) [الآية ٤٦] كان في معنى «أن تسألني» فقال (إنّه ليس من أهلك إنّه عمل غير صلح فلا تسئلن ما ليس لك به علم) وقال بعضهم (عمل غير صالح) وبه نقرأ.

وقال (وأمم سنمتّعهم) [الآية ٤٨] رفع على الابتداء نحو قولك «ضربت زيدا وعمرو لقيته» على الابتداء.

وقال (هذه ناقة الله لكمءاية) [الآية ٦٤] نصب على خبر المعرفة.

وقال (ألآ إنّ ثمودا كفروا ربّهم) [الآية ٦٨] كتابها بالألف في المصحف وإنما صرفت لأنه جعل «ثمود» اسم الحي أو اسم أبيهم. ومن لم يصرف جعله اسم القبيلة. وقد قرىء هذا غير مصروف. وإنما قرىء منه مصروفا ما كانت فيه الألف. وبذلك نقرأ. وقد يجوز صرف هذا كله في جميع القرآن والكلام لأنه إذا كان اسم الحي أو الأب فهو اسم مذكر ينبغي أن يصرف.

__________________

(١) البيت بلا نسبة في تاج العروس (مرأ) ، ولسان العرب (مرأ).

٢٢١

وقال (فبشّرنها بإسحق ومن ورآء إسحق يعقوب) [الآية ٧١] رفع على الابتداء وقد فتح على (وبيعقوب من وراء إسحاق) ولكن لا ينصرف.

وقال (قالت يويلتىءألد وأنا عجوز) [الآية ٧٢] فإذا وقفت قلت (يا ويلتاه) لأن هذه الألف خفيفة وهي مثل ألف الندبة ؛ فلطفت من أن تكون في السكت وجعلت بعدها الهاء ليكون أبين لها وأبعد للصوت. وذلك أن الألف إذا كانت بين حرفين كان لها صدى كنحو الصوت يكون في جوف الشيء فيتردد فيه فيكون أكثر وأبين. ولا تقف على ذا الحرف في القرآن كراهية خلاف الكتاب. وقد ذكر أنه يوقف على ألف الندبة فإن كان هذا صحيحا وقفت على الألف.

وقال (وهذا بعلى شيخا) [الآية ٧٢] وفي قراءة ابن مسعود (شيخ) ويكون على أن تقول «هو شيخ» كأنه فسر بعد ما مضى الكلام الأول أو يكون أخبر عنهما خبرا واحدا كنحو قولك «هذا أخضر أحمر» أو على أن تجعل قولها (بعلي) بدلا من (هذا) فيكون مبتدأ ويصير «الشيخ» خبره وقال الشاعر : [الرجز]

من يك ذا بتّ فهذا بتّي

مقيّظ مصيّف مشتّي (١)

وقال (فلمّا ذهب عن إبرهيم الرّوع) [الآية ٧٤] وهو الفزع. ويقال «أفرخ روعك» و «ألقي في روعي» أي : في خلدي. [ف] «الروع» : القلب والعقل. و «الرّوع» : الفزع.

وقال (هؤلآء بناتى هنّ أطهر لكم) [الآية ٧٨] رفع ، وكان عيسى (٢) يقول (هنّ أطهر لكم) وهذا لا يكون إنما ينصب خبر الفعل الذي لا يستغني عن خبر إذا كان بين الاسم وخبره هذه الأسماء المضمرة التي تسمى الفصل يعني : «هي» و «هو» و «هنّ» وزعموا أن النصب قراءة الحسن أيضا.

وقال (فاتّقوا الله ولا تخزون فى ضيفى) [الآية ٧٨] لأنّ «الضيف» : يكون واحدا ويكون جماعة. تقول : «هؤلاء ضيفي» و «هذا ضيفي» كما تقول : «هؤلاء جنب» و «هذا جنب» ، و «هؤلاء عدوّ» و «هذا عدوّ».

وقال (لو أنّ لى بكم قوّة) [الآية ٨٠] وأضمر «لكان».

وقال (إلّا امرأتك) [الآية ٨١] يقول (فأسر بأهلك) [الآية ٨١] (إلّا

__________________

(١) تقدم الرجز مع تخريجه برقم ٢٢.

(٢) عيسى : هو عيسى بن عمر الثقفي ، تقدمت ترجمته.

٢٢٢

امرأتك) [الآية ٨١] نصب. وقال بعضهم (إلّا امرأتك) رفع وحمله على الالتفات. أي لا يلتفت منكم إلا امرأتك.

وقال (وأمطرنا عليها حجارة مّن سجّيل مّنضود (٨٢) مّسوّمة) [الآيتان ٨٢ و٨٣] نصب بالتنوين. ف «المنضود» من صفة «السّجّيل» ، و «المسوّمة» من صفة «الحجارة» فلذلك انتصب.

وقال (أصلوتك تأمرك أن نّترك ما يعبدءابآؤنا أو أن نّفعل فى أمولنا ما نشؤا) [الآية ٨٧] يقول «أن نترك وأن نفعل في أموالنا ما نشاء» وليس المعنى «أصلواتك تأمرك أن نفعل في أموالنا ما نشاء» لأنه ليس بذا أمرهم. وقال بعضهم (تشاء) وذلك إذا عنوا شعيبا.

وقال (منها قآئم وحصيد) [الآية ١٠٠] يريد «ومحصود» ك «الجريح» و «المجروح».

وقال (لا تكلّم نفس إلّا بإذنه) [الآية ١٠٥] ومعناه «تتفعّل» فكان الأصل أن تكون «تتكلّم» ولكنهم استثقلوا اجتماع التاءين فحذفوا الآخرة منهما لأنها هي التي تعتل فهي أحقهما بالحذف ، ونحو (تذكّرون) يسكنها الإدغام فإن قيل : «فهلا أدغمت التاء ها هنا في الذال وجعلت قبلها ألف وصل كما قلت : «اذّكّروا» فلأن هذه الألف إنما تقع في الأمر وفي كلّ فعل معناه «فعل» فأما «يفعل» و «تفعل» فلا.

وقال (إن نّقول إلّا اعتراك بعضءالهتنا) [الآية ٥٤] على الحكاية تقول : «ما أقول إلا» : «ضربك عمرو» و «ما أقول إلا» : «قام زيد».

وقال (ومن خزى يومئذ) [الآية ٦٦] فأضاف (خزي) إلى «اليوم» فجره وأضاف «اليوم» إلى «إذ» فجره. وقال بعضهم (يومئذ) فنصب لأنه جعله اسما واحدا وجعل الإعراب في الآخر.

وقال (نكرهم) [الآية ٧٠] لأنك تقول «نكرت الرجل» و «أنكرته».

وقال (وما زادوهم غير تتبيب) [الآية ١٠١] لأنّه مصدر «تبّبوهم» «تتبيبا».

وقال (إلى أمّة مّعدودة) [الآية ٨] و «الأمّة» : الحين كما قال (وادّكر بعد أمّة).

وقال (من كان يريد الحيوة الدّنيا وزينتها نوفّ) [الآية ١١٥] ف (كان) في

٢٢٣

موضع جزم وجوابها (نوفّ).

وقال (أفمن كان على بيّنة مّن رّبّه ويتلوه شاهد مّنه) [الآية ١٧] وأضمر الخبر.

وقال (فالنّار موعده) [الآية ١٧] فجعل النار هي الموعد وإنما الموعد فيها كما تقول العرب : «الليلة الهلال» ومثلها (إنّ موعدهم الصّبح) [الآية ٨١].

وقال (وغيض المآء) [الآية ٤٤] لأنك تقول «غضته» ف «أنا أغيضه» وتقول : «غاضته الأرحام» ف «هي تغيضه» وقال (وما تغيض الأرحام) [الرّعد : الآية ٨]. وأما (الجوديّ) [الآية ٤٤] فثقل لأنها ياء النسبة فكأنه أضيف إلى «الجود» كقولك : «البصريّ» و «الكوفيّ».

وقال (وأنّ كلّا) [الآية ١١١] ثقيلة وقال أهل المدينة (وإن كلّا) خففوا (إن) وأعملوها كما تعمل «لم يك» وقد خففتها من «يكن» (لّمّا ليوفّينّهم ربّك أعملهم) [الآية ١١١] فاللام التي مع (ما) هي اللام التي تدخل بعد «أن» واللام الآخرة للقسم.

وقال (ولا تطغوا) [الآية ١١٢] من «طغوت» «تطغا» مثل «محوت» «تمحا».

وقال (ولا تركنوا) [الآية ١١٣] لأنها من «ركن» «يركن» وإن شئت قلت «ولا تركنوا» وجعلتها من «ركن» «يركن».

وقال (طرفى النّهار) [الآية ١١٤] فحرّك الياء لأنها ساكنة لقيها حرف ساكن لأن أكثر ما يحرّك الساكن بالكسر نحو (صاحبي السّجن) [يوسف : ٣٩ و٤١].

وقال (وزلفا مّن الّيل) [الآية ١١٤] لأنها جماعة تقول «زلفة» و «زلفات» و «زلف».

وقال (وكلّا نّقصّ عليك من أنبآء الرّسل) [الآية ١٢٠] على : «نقص (ما نثبّت به فؤادك) [الآية ١٢٠] (كلّا)».

وقال (وتوكّل عليه وما ربّك بغفل عمّا يعملون) [الآية ١٢٣] إذا لم يجعل النبيّ صلى الله عليه فيهم وقال بعضهم (تعملون) لأنه عنى النبيّ صلى الله عليه معهم أو قال له «قل لهم (وما ربّك بغفل عمّا تعملون) [الآية ١٢٣]».

٢٢٤

سورة يوسف

قال (إذ رودتّنّ يوسف عن نّفسه) [يوسف : الآية ٥١] وقال بعض أهل العلم : «إنهن راودنه لا امرأة الملك» وقد يجوز وإن كانت واحدة أن تقول (راودتنّ) كما تقول (إنّ النّاس قد جمعوا لكم) [آل عمران : الآية ١٧٣] وهذا ها هنا واحد يعني بقوله (لكم) النبيّ صلى الله عليه و (الناس) «أبا سفيان» فيما ذكروا.

وقال (وهمّ بها) [الآية ٢٤] فلم يكن همّ بالفاحشة ولكن دون ذلك مما لا يقطع الولاية.

وقال (بما أوحينا إليك) [الآية ٣] يقول (نقصّ عليك) [الأعراف : الآية ١٠١] بوحينا (إليك هذا القرءان) [الآية ٣] وجعل (ما) اسما للفعل وجعل (أوحينا) صلة.

وقال (إنّى رأيت أحد عشر كوكبا والشّمس والقمر رأيتهم لى سجدين) [الآية ٤] فكرر الفعل وقد يستغني بأحدهما. وهذا على لغة الذين قالوا «ضربت زيدا ضربته» وهو توكيد مثل (فسجد الملائكة كلّهم أجمعون) وقال بعضهم (أحد عشر) وأسكن العين وكذلك (تسعة عشر) إلى العشرين لما طال الاسم وكثرت متحركاته أسكنوا. ولم يسكنوا في قولهم «اثني عشر» و «اثنتا عشرة» للحرف الساكن الذي قبل العين وحركة العين في هذا كله هو الأصل.

وأمّا قوله (رأيتهم لى سجدين) [الآية ٤] فإنه لما جعلهم كمن يعقل في السجود والطواعية جعلهم كالأنس في تذكيرهم إذا جمعهم كما قال (علّمنا منطق الطّير) [النّمل : الآية ١٦]. وقال الشاعر : [الخفيف]

٢٣٣ ـ صدّها منطق الدّجاج عن القصد

وضرب الناقوس فاجتنبا (١)

وقال (يأيّها النّمل ادخلوا مسكنكم) [النّمل : الآية ١٨] إذ تكلمت نملة فصارت كمن يعقل وقال (فى فلك يسبحون) [الأنبياء : الآية ٣٣] لما جعلهم يطيعون شبههم بالانس مثل ذلك (قالتآ أتينا طآئعين) [فصّلت : الآية ١١] على هذا القياس إلا

__________________

(١) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.

٢٢٥

أنه ذكر وليس مذكرا كما يذكر بعض المؤنث. وقال قوم : إنما قال (طائعين) لأنهما أتتا وما فيهما فتوهم بعضهم «مذكّرا» أو يكون كما قال (واسئل القرية) [يوسف : الآية ٨٢] وهو يريد أهلها. وكما تقول «صلى المسجد» وأنت تريد أهل المسجد إلّا أنّك تحمل الفعل على الآخر ، كما قالوا : «اجتمعت أهل اليمامة» وقال (ومنءايته الّيل والنّهار والشّمس والقمر لا تسجدوا للشّمس ولا للقمر واسجدوا لله الّذى خلقهنّ) [فصّلت : الآية ٣٧] لأن الجماعة من غير الانس مؤنثة. وقال بعضهم «للّذي خلق الآيات» ولا أراه قال ذلك إلا لجهله بالعربية. قال الشاعر : [البسيط]

٢٣٤ ـ إذ أشرف الديك يدعو بعض أسرته

إلى الصياح وهم قوم معازيل (١)

فجعل «الدجاج» قوما في جواز اللغة. وقال الآخر وهو يعني الذيب : [الطويل]

وأنت امرؤ تعدو على كلّ غرّة

فتخطىء فيها مرّة وتصيب (٢)

وقال الآخر : [الرجز]

٢٣٥ ـ فصبّحت والطّير لم تكلّم

جابية طمّت بسيل مفعم (٣)

وقال (فيكيدوا لك كيدا) [الآية ٥] أي : فيتخذوا لك كيدا. وليست مثل (إن كنتم للرؤيا تعبرون). أراد أن يوصل الفعل إليها باللام كما يوصل ب «إلى» كما تقول : «قدّمت له طعاما» تريد : «قدّمت إليه». وقال (يأكلن ما قدّمتم لهنّ) [يوسف :

الآية ٤٨] ومثله (قل الله يهدى للحقّ) [يونس : الآية ٣٥] وإن شئت كان (فيكيدوا لك كيدا) [الآية ٥] في معنى «فيكيدوك» وتجعل اللام مثل (لربّهم يرهبون) [الأعراف : الآية ١٥٤] وقوله (لربّهم يرهبون) [الأعراف : الآية ١٥٤] إنّما هو : «لمكان ربّهم يرهبون».

وقال (أو اطرحوه أرضا يخل لكم) [الآية ٩] وليس الأرض ها هنا بظرف. ولكن حذف منها «في» ثم أعمل فيها الفعل كما تقول «توجّهت مكّة».

وقال (ونحن عصبة) [الآية ٨] و «العصبة» و «العصابة» جماعة ليس لها واحد ك «القوم» و «الرّهط».

__________________

(١) البيت لعبدة بن الطبيب في ديوانه ص ٧٩ ، ولسان العرب (عزل) ، وتاج العروس (عزل).

(٢) تقدم البيت مع تخريجه برقم ٢٣٢.

(٣) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (طمم) ، (فعم) ، (كلم) ، وتاج العروس (فعم).

٢٢٦

وقال (بدم كذب) [الآية ١٨] فجعل «الدّم» «كذبا» لأنه كذب فيه كما تقول «الليلة الهلال» فترفع وكما قال (فما ربحت تّجرتهم) [البقرة : الآية ١٦].

وقال (وجآءت سيّارة فأرسلوا واردهم) [الآية ١٩] فذكّر بعد ما أنّث لأنّ «السيّارة» في المعنى للرجال.

وقال (معاذ الله إنّه ربّى) [الآية ٢٣] أي : أعوذ بالله معاذا. جعله بدلا من اللفظ بالفعل لأنه مصدر وإن كان غير مستعمل مثل «سبحان» وبعضهم يقول «معاذة الله» ويقول «ما أحسن معناة هذا الكلام» يريد المعنى.

وقال (إلّا أن يسجن أو عذاب أليم) [الآية ٢٥] يقول «إلّا السجن أو عذاب أليم» لأن «أن» الخفيفة وما عملت فيه اسم بمنزلة «السّجن».

وقال (وليكونا مّن الصّغرين) [الآية ٣٢] فالوقف عليها (وليكونا) لأن النون الخفيفة إذا انفتح ما قبلها فوقفت عليها جعلتها ألفا ساكنة بمنزلة قولك «رأيت زيدا» ومثله (لنسفعا بالناصية) [العلق : ٩٦] الوقف عليها (لنسفعا).

وقال (ثمّ بدا لهم مّن بعد ما رأوا الأيت ليسجننّه حتّى حين) (٣٥) [الآية ٣٥] فأدخل النون في هذا الموضع لأن هذا موضع تقع فيه «أي» فلما كان حرف الاستفهام يدخل فيه ، دخلته النون لأن النون تكون في الاستفهام ، تقول «بدا لهم أيّهم يأخذون» أي استبان لهم.

وقال (وما نحن بتأويل الأحلم بعلمين) [الآية ٤٤] فإحدى الباءين أوصل بها الفعل إلى الاسم والأخرى دخلت ل «ما» وهي الآخرة.

وقال (وادّكر بعد أمّة) [الآية ٤٥] وإنما هي «افتعل» من «ذكرت» فأصلها «اذتكر» ، ولكن اجتمعا في كلمة واحدة ومخرجاهما متقاربان ، وأرادوا أن يدغموا والأول حرف مجهور وإنما يدخل الأول في الآخر والآخر مهموس ، فكرهوا أن يذهب منه الجهر فجعلوا في موضع التاء حرفا من موضعها مجهورا وهو الدال لأن الحرف الذي قبلها مجهور. ولم يجعلوا الطاء لأن الطاء مع الجهر مطبقة. وقد قال بعضهم (مذّكر) فأبدل التاء ذالا ثم أدخل الذال فيها. وقد قرئت هذه الآية (أن يصلحا بينهما صلحا) [النّساء : الآية ١٢٨] وهي «أن يفتعلا» من «الصلح» فكانت التاء بعد الصاد فلم تدخل الصاد فيها للجهر والاطباق. فأبدلوا التاء صادا وقال بعضهم (يصطلحا) وهي الجيدة. لما لم يقدر على إدغام الصاد في التاء

٢٢٧

حوّل في موضع التاء حرف مطبق.

وقال (ثمّ استخرجها من وعآء أخيه) [الآية ٧٦] فأنث وقال (ولمن جآء به حمل بعير) [الآية ٧٢] لأنّه عنى ثمّ «الصّواع» و «الصّواع» مذكّر ، ومنهم من يؤنّث «الصّواع» و «عنى» ها هنا «السّقاية» وهي مؤنثة. وهما اسمان لواحد مثل «الثّوب» و «الملحفة» مذكّر ومؤنّث لشيء واحد.

وقال (خلصوا نجيّا) [الآية ٨٠] فجعل «النجيّ» للجماعة مثل قولك : «هم لي صديق».

وقال (يأسفى على يوسف) [الآية ٨٤] فإذا سكت ألحقت في آخره الهاء لأنها مثل ألف الندبة.

وقال (تالله تفتؤا تذكر يوسف) [الآية ٨٥] فزعموا أنّ (تفتأ) «تزال» فلذلك وقعت عليه اليمين كأنهم قالوا : «والله ما تزال تذكر يوسف».

وقال (لا تثريب عليكم اليوم) [الآية ٩٢] (اليوم) وقف ثم استأنف فقال (يغفر الله لكم) [الآية ٩٢] فدعا لهم بالمغفرة مستأنفا.

وقال (قال كبيرهم) [الآية ٨٠] فزعموا أنه أكبرهم في العقل لا في السن.

وإنما قال (عسى الله أن يأتينى بهم جميعا) [الآية ٨٣] لأنه عنى الذي تخلف عنهم معهما وهو كبيرهم في العقل.

٢٢٨

سورة الرعد

قال (كلّ يجرى) [الآية ٢] يعني كلّه كما تقول «كلّ منطلق» أي : كلّهم.

وقال (روسى) [الآية ٣] فواحدتها «راسية».

وقال (تسقى بماء واحد) [الآية ٤] فهذا التأنيث على «الجنّات» وإن شئت على «الأعناب ٢» لأنّ «الأعناب» جماعة من غير الإنس فهي مؤنثة إلّا أنّ بعضهم قرأها (يسقى بماء واحد) فجعله على الأعناب كما ذكر «الأنعام» فقال (مّمّا فى بطونه) [النّحل : الآية ٦٦] ثم أنث بعد فقال (وعليها وعلى الفلك تحملون) (٢٢) [المؤمنون : الآية ٢٢] فمن قال (يسقى) بالياء جعل «الأعناب» مما يؤنّث ويذكّر مثل «الأنعام».

وقال (أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد) [الآية ٥] وفي موضع آخر (أءذا كنّا تربا وءاباؤنا أئنّا لمخرجون) [النمل : ٦٧] فالآخر هو الذي وقع عليه الاستفهام والأول حرف ، كما تقول «أيوم الجمعة زيد منطلق». ومن أوقع استفهاما آخر جعل قوله (أإذا متنا وكنا ترابا) ظرفا لشيء مذكور قبله ، ثم جعل هذا الذي استفهم عنه استفهاما آخر وهذا بعيد. وإن شئت لم تجعل في قولك (أإذا) استفهاما وجعلت الاستفهام في اللفظ على «أإنّا» ، كأنك قلت «يوم الجمعة أعبد الله منطلق» وأضمرت فيه. فهذا موضع قد ابتدأت فيه «إذا» وليس بكثير في الكلام ولو قلت «اليوم إنّ عبد الله منطلق» لم يحسن وهو جائز. وقد قالت العرب «ما علمت إنّه لصالح» يريد : إنّه لصالح ما علمت.

وقال (مستخف بالّيل وسارب بالنّهار) [الآية ١٠] فقوله (مستخف) [الآية ١٠] يقول : ظاهر. و «السارب» : المتواري. وقد قرئت (أخفيها) أي : أظهرها لأنّك تقول «خفيت السّرّ» أي : أظهرته وأنشد : [المتقارب]

٢٣٦ ـ إن تكتموا الداء لا نخفه

وإن تبعثوا الحرب لا نقعد (١)

__________________

(١) البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ١٨٦ ، ولسان العرب (خفا) ، وتاج العروس (خفي) ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة ٧ / ٥٩٥.

٢٢٩

والضم أجود. وزعموا أنّ تفسير (أكاد) : أريد وأنّها لغة لأن «أريد» قد تجعل مكان «أكاد» مثل (جدارا يريد أن ينقضّ) [الكهف : الآية ٧٧] أي : «يكاد أن ينقضّ» فكذلك «أكاد» إنّما هي : أريد. وقال الشاعر : [الكامل]

٢٣٧ ـ كادت وكدت وتلك خير إرادة

لو عاد من لهو الصّبابة ما مضى (١)

وأمّا «المعقّبات» فإنما أنّثت لكثرة ذلك منها نحو «النّسّابة» و «العلّامة» ثم ذكر لأن المعنى مذكر فقال (يحفظونه من أمر الله) [الآية ١١].

وقال (بالغدوّ والأصال) [الآية ٢٠٥] و (بالعشي والإبكار) [آل عمران : ٤١ وغافر : ٥٥] فجعل «الغدوّ» يدل على الغداة وإنما «الغدوّ» فعل ، وكذلك «الإبكار» إنما هو من «أبكر» «إبكارا». والذين قالوا (الأبكار) احتجوا بأنهم جمعوا «بكرا» على «أبكار». و «بكر» لاتجمع لأنه اسم ليس بمتمكن وهو أيضا مصدر مثل «الإبكار». فأما الذين جمعوا فقالوا إنما جمعنا «بكرة» و «غدوة». ومثل «البكرة» و «الغدوة» لا يجمع هكذا. لا تجيء «فعلة» و «أفعال» وإنما تجيء «فعلة» و «فعل».

وقال (أم جعلوا لله شركاء) [الآية ١٦] فهذه «أم» التي تكون منقطعة من أول الكلام.

وقال (سالت أودية بقدرها) [الآية ١٧] تقول : «أعطني قدر شبر» و «قدر شبر» وتقول : «قدرت» و «أنا أقدر» «قدرا» فأما المثل ففيه «القدر» و «القدر».

وقال (أو متع زبد مّثله) [الآية ١٧] يقول : «ومن ذلك الذي يوقدون عليه زبد مثله» يقول : «ومن ذلك الذي يوقدون عليه زبد مثل هذا».

وقال (يدخلون عليهم مّن كلّ باب (٢٣) سلم عليكم) [الآيتان ٢٣ و٢٤] أي : يقولون «سلام عليكم».

وقال (طوبى لهم وحسن مآب) [الآية ٢٩] ف (طوبى) في موضع رفع يدلك

__________________

(١) يروى عجز البيت بلفظ :

لو عاد من عصر الشبيبة ما مضى

والبيت بلا نسبة في أمالي المرتضى ١ / ٣٣١ ، ولسان العرب (كيد) ، والمحتسب ٢ / ٣١.

٢٣٠

على ذلك رفع (وحسن مآب) وهو يجري مجرى «ويل لزيد» لأنك قد تضيفهما بغير لام تقول «طوباك» ولو لم تضفها لجرت مجرى «تعسا لزيد». وإن قلت : «لك طوبى» لم يحسن كما لا تقول : «لك ويل».

وقال (أفمن هو قائم على كلّ نفس بما كسبت وجعلوا لله شركآء) [الآية ٣٣] فهذا في المعنى «أفمن هو قائم على كل نفس مثل شركائهم» ، وحذف فصار (وجعلوا لله شركاء) يدل عليه.

٢٣١

ومن سورة إبراهيم

قال (يستحبّون الحيوة الدّنيا على الأخرة) [الآية ٣] فأوصل الفعل ب «على» كما قالوا «ضربوه في السيف» يريدون «بالسيف». وذلك أن هذه الحروف يوصل بها كلها وتحذف نحو قول العرب : «نزلت زيدا» تريد «نزلت عليه».

وقال (ومن ورائه) [الآية ١٧] أي : من أمامه. وإنما قال (وراء) أي : إنه وراء ما هو فيه كما تقول للرجل : «هذا من ورائك» أي : «سيأتي عليك» و «هو من وراء ما أنت فيه» لأنّ ما أنت فيه قد كان مثل ذلك فهو وراؤه. وقال (وكان وراءهم مّلك) [الكهف : الآية ٧٩] في هذا المعنى. أي : كان وراء ما هم فيه.

وقال (مّثل الّذين كفروا) [الآية ١٨] كأنه قال : «وممّا نقصّ عليكم مثل الذين كفروا» ثم أقبل يفسر كما قال (مّثل الجنّة الّتى وعد المتّقون) [الرّعد : الآية ٣٥] وهذا كثير.

وقال (إلّا أن دعوتكم) [الآية ٢٢] وهذا استثناء خارج كما تقول : «ما ضربته إلّا أنّه أحمق» وهو الذي في معنى «لكنّ».

وقال (ومآ أنتم بمصرخىّ) [الآية ٢٢] فتحت ياء الإضافة لأن قبلها ياء الجميع الساكنة التي كانت في «مصرخيّ» فلم يكن من حركتها بدّ لأن الكسر من الياء.

وبلغنا أن الأعمش (١) قال (بمصرخيّ) فكسر وهذه لحن لم نسمع بها من أحد من العرب ولا أهل النحو.

وقال (ضرب الله مثلا كلمة طيّبة) [الآية ٢٤] منصوبة على (ضرب) كأنه قال «وضرب الله كلمة طيّبة مثلا».

وقال (لّا بيع فيه ولا خلل) [الآية ٣١] وفي موضع آخر (ولا خلّة) [البقرة : الآية ٢٥٤] وإنّما «الخلال» لجماعة «الخلّة» كما تقول : «جلّة» و «جلال» ، و «قلّة» و «قلال». وقال الشاعر : [المتقارب]

__________________

(١) الأعمش : هو سليمان بن مهران ، تقدمت ترجمته.

٢٣٢

وكيف تواصل من أصبحت

خلالته كأبي مرحب (١)

ولو شئت جعلت «الخلال» مصدرا لأنها من «خاللت» مثل «قاتلت» ومصدر هذا لا يكون إلا «الفعال» أو «المفاعلة».

وقال (وءاتاكم مّن كلّ ما سألتموه) [الآية ٣٤] أي : «آتاكم من كلّ شيء سألتموه شيئا» وأضمر الشيء كما قال (وأوتيت من كل شيء) أي : «أوتيت من كلّ شيء في زمانها شيئا» قال بعضهم : «إنما ذا على التكثير» نحو قولك : «هو يعلم كلّ شيء» و «أتاه كلّ الناس» وهو يعني بعضهم. وكذلك (فتحنا عليهم أبوب كلّ شيء) [الأنعام : الآية ٤٤]. وقال بعضهم : «ليس من شيء إلّا وقد سأله بعض الناس فقال (وءاتاكم مّن كلّ ما سألتموه) [الآية ٣٤] أي : من كل ما سألتموه قد آتى بعضكم منه شيئا وآتى آخر شيئا مما قد سأل».

وكذلك قال (إنّى أسكنت من ذرّيّتى بواد) [الآية ٣٧] يقول : «أسكنت من ذرّيّتي أناسا» ودخلت الباء على «واد» كما تقول : «هو بالبصرة» و «هو في البصرة».

ونون بعضهم (من كلّ) [الآية ٣٤] يقول (من كلّ) ثم قال «لم تسألوه إيّاه» كما تقول : «قد سألتك من كلّ» و «قد جاءني من كلّ» لأنّ «كلّ» قد تفرد وحدها.

وقال (تؤتى أكلها) [الآية ٢٥] ومثل ذلك (أكلها دائم) [الرعد : ٣٥] و «الأكل» هو : «الطعام» و «الأكل» هو : «الفعل».

وقال (تهوى إليهم) [الآية ٣٧] زعموا أنه في التفسير «تهواهم».

ونصب (مهطعين) [الآية ٤٣] على الحال وكذلك (مقنعى) [الآية ٤٣] كأنه قال : «تشخص أبصارهم مهطعين» وجعل «الطرف» للجماعة كما قال (سيهزم الجمع ويولّون الدّبر) (٤٥) [القمر : الآية ٤٥].

وقال (مخلف وعده رسله) [الآية ٤٧] فأضاف إلى الأول ونصب الآخر على الفعل ، ولا يحسن أن نضيف إلى الآخر لأنه يفرق بين المضاف والمضاف إليه وهذا لا يحسن. ولا بد من إضافته لأنه قد ألقى الألف ولو كانت «مخلفا» نصبهما جميعا وذلك جائز في الكلام. ومثله «هذا معطي زيد درهما» و «معط زيدا درهما».

وواحد (الأصفاد) [الآية ٤٩] صفد.

__________________

(١) تقدم البيت مع تخريجه برقم ٢٥.

٢٣٣

ومن سورة الحجر

قال (رّبما يودّ الّذين كفروا) [الآية ٢] وأدخل مع «ربّ» (ما) ليتكلم بالفعل بعدها. وإن شئت جعلت (ما) بمنزلة «شيء» فكأنك قلت : «وربّ شيء يودّ» أي : «ربّ ودّ يودّه الذين كفروا».

وقال (إلّا من استرق السّمع) [الآية ١٨] استثناء خارج كما قال «ما أشتكي إلّا خيرا» يريد «أذكر خيرا».

وقال (وأرسلنا الرّيح لوقح) [الآية ٢٢] فجعلها على «لاقح» كأن الرياح لقحت لأن فيها خيرا فقد لقحت بخير. وقال بعضهم «الرّياح تلقح السّحاب» فقد يدل على ذلك المعنى لأنها إذا أنشأته وفيها خير وصل ذلك إليه.

وقال (ربّ بما أغويتنى) [الآية ٣٩] يقول : «بإغوائك إيّاي» (لأزيّننّ لهم) [الآية ٣٩] على القسم كما تقول : «بالله لأفعلنّ».

وقال (لّكلّ باب مّنهم جزء مّقسوم) [الآية ٤٤] لأنّه من «جزّأته» و (مّنهم) [البقرة : الآية ٧٥] يعني : من الناس.

وقال (قالوا لا توجل) [الآية ٥٣] لأنه من «وجل» «يوجل». وما كان على «فعل» ف «هو يفعل» تظهر فيه الواو ولا تذهب كما تذهب من «يزن» لأنّ «وزن» «فعل» وأمّا بنو تميم فيقولون (تيجل) لأنّهم يقولون في «فعل» «تفعل» فيكسرون التاء في «تفعل» والألف من «أفعل» والنون من «تفعل» ولا يكسرون الياء لأنّ الكسر من الياء فاستثقلوا اجتماع ذلك. وقد كسروا الياء في باب «وجل» لأن الواو قد تحولت إلى الياء مع التاء والنون والألف. فلو فتحوها استنكروا الواو ولو فتحوا الياء لجاءت الواو ، فكسروا الياء فقالوا «ييجل» ليكون الذي بعدها ياء إذ كانت الياء أخف مع الياء من الواو مع الياء لأنه يفر إلى الياء من الواو ولا يفر إلى الواو من الياء. قال بعضهم (ييجل) فقلبها ياء وترك التي قبلها مفتوحة كراهة اجتماع الكسرة والياءين.

وقال (وقضينا إليه ذلك الأمر أنّ دابر هؤلآء) [الآية ٦٦] لأن قوله (أنّ

٢٣٤

دابر) [الآية ٦٦] بدل من (الأمر).

وقال (ومن يقنط من رّحمة ربّه) [الآية ٥٦] لأنها من «قنط» «يقنط» وقال بعضهم (يقنط) مثل «يقتل» و (يقنط) مثل «علم» «يعلم».

وقال (إلى قوم مّجرمين (٥٨) إلّاءال لوط) [الآيتان ٥٨ ـ ٥٩] استثناء من المجرمين أي : لا يدخلون في الإجرام.

وقال (لعمرك إنّهم لفى) [الآية ٧٢] و (لعمرك) ـ والله أعلم ـ و «وعيشك» إنما يريد به العمر. و «العمر» و «العمر» لغتان.

وقال (عضين) [الآية ٩١] وهو من «الأعضاء» وواحده «العضة» مثل «العزين» واحده «العزة».

وقال (هذا صرط علىّ مستقيم) [الآية ٤١] يقول : عليّ دلالته. نحو قول العرب «عليّ الطريق الليلة» أي : عليّ دلالته.

٢٣٥

ومن سورة النحل

قال (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) [الآية ٨] نصب. أي : وجعل الله الخيل والبغال والحمير وجعلها (زينة).

وقال (ومنها جآئر) [الآية ٩] أي : ومن السبيل لأنّها مؤنثة في لغة أهل الحجاز.

وقال (وما ذرأ لكم فى الأرض مختلفا ألونه) [الآية ١٣] يقول : خلق لكم وبثّ لكم.

وقال (والنّجوم مسخّرات) [الآية ١٢] فعلى «سخّرت النّجوم» أو «جعل النّجوم مسخّرات» وجاز إضمار فعل غير الأول لأن ذلك المضمر في المعنى مثل المظهر. وقد تفعل العرب ما هو أشد من ذا. قال الراجز :

٢٣٨ ـ تسمع في أجوافهنّ صردا

وفي اليدين جسأة وبددا (١)

فهذا على «وترى في اليدين الجسأة» وهي : اليبس والبدد وهو : «السّعة».

وقال (وقيل للّذين اتّقوا ماذآ أنزل ربّكم قالوا خيرا) [الآية ٣٠] فجعل «ماذا» بمنزلة «ما» وحدها.

وقال (أموت غير أحياء) [الآية ٢١] على التوكيد.

وقال (أن تحرص) [الآية ٣٧] لأنها من «حرص» «يحرص».

وإذا وقفت على (يتفيّؤا) [الآية ٤٨] قلت «يتفيّأ» كما تقول بالعين «تتفيّع» جزما وإن شئت أشممتها الرفع ورمته كما تفعل ذلك في «هذا حجر».

وقال (عن اليمين والشّمائل سجّدا لّلّه وهم دخرون) [الآية ٤٨] فذكروهم غير

__________________

(١) يروى الرجز بلفظ :

تسمع للأحشاء منه لغطا

ولليدين جسأة وبددا

والرجز بلا نسبة في أمالي المرتضى ٢ / ٢٥٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٣٦.

٢٣٦

الانس لأنه لما وصفهم بالطاعة أشبهوا ما يعقل وجعل اليمين للجماعة مثل (ويولّون الدّبر) [القمر : الآية ٤٥].

وقال (ولله يسجد ما فى السّموات وما فى الأرض من دآبّة) [الآية ٤٩] يريد : من الدواب واجتزأ بالواحد كما تقول : «ما أتاني من رجل» أي : ما أتاني من الرجال مثله.

وقال (وما بكم مّن نعمة فمن الله) [الآية ٥٣] لأنّ (ما) بمنزلة (من) فجعل الخبر بالفاء.

وقال (ليكفروا بمآءاتينهم) [الآية ٥٥].

وقال (ومن ثمرت النّخيل والأعنب تتّخذون منه سكرا ورزقا حسنا) [الآية ٦٧] ولم يقل «منها» لأنه أضمر «الشيء» كأنه قال «ومنها شيء تتّخذون منه سكرا».

وقال (إلى النّحل أن اتّخذى) [الآية ٦٨] على التأنيث في لغة أهل الحجاز. وغيرهم يقول «هو النّحل» وكذلك كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء نحو «البرّ» و «الشعير» هو في لغتهم مؤنث.

وقال (ذللا) [الآية ٦٩] وواحدها «الذّلول» وجماعة «الذّلول» «الذّلل».

وقال (بنين وحفدة) [الآية ٧٢] وواحدهم «الحافد».

وقال (أينما يوجّههّ لا يأت بخير) [الآية ٧٦] لأنّ (أينما) من حروف المجازاة.

وقال (رزقا مّن السّموات والأرض) [الآية ٧٣] فجعل «الشيء» بدلا من «الرّزق» وهو في معنى «لا يملكون رزقا قليلا ولا كثيرا». وقال بعضهم : «الرّزق فعل يقع بالشيء» يريد : «لا يملكون أن يرزقوا شيئا».

وقال (وأوفوا بعهد الله) [الآية ٩١] تقول : «أوفيت بالعهد» و «وفيت بالعهد» فإذا قلت «العهد» قلت «أوفيت العهد» بالألف.

وقال (أنكثا) [الآية ٩٢] وواحدها «النّكث».

وقال (من كفر بالله من بعد إيمنه إلّا من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمن ولكن مّن شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب مّن الله) [الآية ١٠٦] خبر لقوله (ولكن

٢٣٧

مّن شرح) [الآية ١٠٦] ثم دخل معه قوله (من كفر بالله من بعد إيمنه) [الآية ١٠٦] فأخبر عنهم بخبر واحد إذ كان ذلك يدل على المعنى.

وقال (مّن الجبال أكننا) [الآية ٨١] وواحدة : «الكنّ».

وقال (كلّ نفس تجدل عن نّفسها) [الآية ١١١] لأن معنى (كلّ نفس) [البقرة : الآية ٢٨١] : كلّ إنسان ، وأنّث لأن النفس تؤنّث وتذكّر. يقال «ما جاءتني نفس واحدة» و «ما جاءني نفس واحد».

وقال (ألسنتكم الكذب) [الآية ١١٦] جعل (ما تصف) ألسنتهم اسما للفعل كأنه قال «ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب هذا حلال» وقال بعضهم (الكذب) يقول : «ولا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم». وقال بعضهم (الكذب) فرفع وجعل (الكذب) من صفة الألسنة ، كأنه قال : «ألسنة كذب».

وقال (شاكرا لّأنعمه) [الآية ١٢١] وقال (كفرت بأنعم الله) [الآية ١١٢] فجمع «النّعمة» على «أنعم» كما قال (حتّى إذا بلغ أشدّه) [الأحقاف : الآية ١٥] فزعموا أنه جمع «الشدّة».

٢٣٨

ومن سورة بني إسرائيل

قال (سبحن الّذى أسرى) [الآية ١] لأنك تقول «أسريت» و «سريت».

وقال (إنّه هو السّميع البصير) [الآية ١] فهو فيما ذكروا ـ والله أعلم ـ «قل يا محمّد «سبحان الذي أسرى بعبده» وقل : إنّه هو السّميع البصير.

وقال (فإذا جآء وعد أولهما) [الآية ٥] لأن «الأولى» مثل «الكبرى» يتكلم بها بالألف واللام ولا يقال «هذه أولى». والإضافة تعاقب الألف واللام ، فلذلك قال (أولاهما) كما تقول «هذه كبراهما» و «كبراهنّ» و «كبراهم عنده».

وقال (دعآءه بالخير) [الآية ١١] فنصب «الدعاء» على الفعل كما تقول : «إنّك منطلق انطلاقا».

وقال (فلا تقل لّهما أفّ) [الآية ٢٣] قد قرئت (أفّ) و (أفّا) لغة جعلوها مثل (تعسا) وقرأ بعضهم (أفّ) وذلك أن بعض العرب يقول «أفّ لك» على الحكاية : أي لا تقل لهما هذا القول ، والرفع قبيح لأنّه لم يجىء بعده باللام ، والذين قالوا (أفّ) فكسروا كثير وهو أجود. وكسر بعضهم ونوّن. وقال بعضهم (أفّي) كأنه أضاف هذا القول إلى نفسه فقال : «أفّي هذا لكما» والمكسور هنا منون ، وغير منون على أنه اسم متمكن نحو «أمس» وما أشبهه. والمفتوح بغير نون كذلك.

وقال (ولا تنهرهما) [الآية ٢٣] لأنه يقول : «نهره» «ينهره» و «انتهره» «ينتهره».

وقال (إنّ قتلهم كان خطئا) [الآية ٣١] من «خطىء» «يخطأ» تفسيره : «أذنب» وليس في معنى : «أخطأ» لأن ما أخطأت فيه ما صنعته خطأ ، وما «خطئت» فيه ما صنعته عمدا وهو الذنب. وقد يقول ناس من العرب : «خطئت» في معنى «أخطأت». قال امرؤ القيس (١) : [الرجز]

__________________

(١) امرؤ القيس : تقدمت ترجمته.

٢٣٩

٢٣٩ ـ يا لهف نفسي إذ خطئن كاهلا

القاتلين الملك الحلاحلا

تالله لا يذهب شيخي باطلا (١)

وقال آخر : [الكامل]

٢٤٠ ـ والناس يلحون الأمير إذا هم

خطئوا الصّواب ولا يلام المرشد (٢)

وقال (وزنوا بالقسطاس) [الآية ٣٥] و «القسطاس» مثل «القرطاس» و «القرطاس» و «الفسطاط» و «الفسطاط».

وقال (ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولا) [الآية ٣٦] قال (أولئك). هذا وأشباهه مذكّرا كان أو مؤنّثا تقول فيه «أولئك». قال الشاعر : [الكامل]

ذمّي المنازل بعد منزلة اللّوى

والعيش بعد أولئك الأيام (٣)

وهذا كثير.

وقال (مرحا) [الآية ٣٧] و (مرحا) والمكسورة أحسنهما لأنّك لو قلت «تمشي مرحا» كان أحسن من «تمشي مرحا» ونقرؤها مفتوحة.

وقال (حجابا مّستورا) [الآية ٤٥] لأن الفاعل قد يكون في لفظ المفعول كما تقول : «إنّك مشؤوم علينا» و «ميمون» وإنّما هو «شائم» و «يامن» لأنه من «شأمهم» و «يمنهم» و «الحجاب» ها هنا هو الساتر ، وقال (مّستورا) [الآية ٤٥].

وقال (سبحنه وتعلى عمّا يقولون علوّا كبيرا) (٤٣) [الآية ٤٣] فقال (علوّا) ولم يقل «تعاليا» كما قال (وتبتّل إليه تبتيلا) [المزمّل : الآية ٨]. قال الشاعر : [الكامل]

٢٤١ ـ أنت الفداء لكعبة هدّمتها

ونقرتها بيديك كلّ منقّر (٤)

منع الحمام مقيله من سقفها

ومن الحطيم فطار كلّ مطيّر

__________________

(١) الرجز لامرىء القيس في ديوانه ص ١٣٤ ، والأغاني ٩ / ٨٧ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٣٣ ، ٢ / ٢١٣ ، والدرر ٤ / ٧٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٢ ، ومعجم ما استعجم ص ٥٦ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٦٠ ، ومغني اللبيب ١ / ١٤٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ٩.

(٢) البيت بلا نسبة في لسان العرب (أمر) ، وتاج العروس (أمر).

(٣) تقدم البيت مع تخريجه برقم ٧١.

(٤) البيت الأول بلا نسبة في المحتسب ١ / ٨١ ، ٩٤ ، ٣٠١ ، ٢ / ٦ ، ٢١.

٢٤٠