معاني القرآن

أبي الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي البلخي البصري [ الأخفش الأوسط ]

معاني القرآن

المؤلف:

أبي الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي البلخي البصري [ الأخفش الأوسط ]


المحقق: إبراهيم شمس الدين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3518-X
الصفحات: ٣٦٠

حكاية. ومن العرب من لا يصرف ذا إذا سمي به ويشبه التاء بهاء التأنيث في نحو «حمدة» وذلك قبيح ضعيف. قال الشاعر : [الطويل]

١٣٧ ـ تنوّرتها من أذرعات وأهلها

بيثرب أدنى دارها نظر عال (١)

ومنهم من لا ينوّن «أذرعات» ولا «عانات» وهو مكان.

وقال (ومن تأخّر فلا إثم عليه لمن اتّقى) [الآية ٢٠٣] كأنه حين ذكر هذه الرخصة قد أخبر عن أمر فقال (لمن اتّقى) [الآية ٢٠٣] أي : ذلك لمن اتقى.

وقال (ويشهد الله على ما فى قلبه) [الآية ٢٠٤] إذا كان هو يشهد وقال بعضهم : (ويشهد الله) [الآية ٢٠٤] أي : إن الله هو الذي يشهد.

وقال (وهو ألدّ الخصام) [الآية ٢٠٤] من «لددت» «تلدّ» و «هو ألدّ» و «هم قوم لدّ» و «امرأة لدّاء» و «نسوة لدّ».

وقال (ومن النّاس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله) [الآية ٢٠٧] يقول : «يبيعها» كما تقول : «شريت هذا المتاع» أي : بعته و «شريته» : اشتريته أيضا ، يجوز في المعنيين جميعا ، كما تقول : «إنّ الجلّ لأفضل المتاع» ، و «إنّ الجلّ لأردؤه» ، وعلى ذلك يجوز مع كثير مثله. وكذلك «الجلل» يكون العظيم ويكون الصغير. وكذلك «السّدف» يكون الظلمة والضوء. وقال الشاعر : [الرمل]

١٣٨ ـ وأرى أربد قد فارقني

ومن الأرزاء رزء ذو جلل (٢)

أي : عظيم. وقال الآخر : [الطويل]

١٣٩ ـ ألا إنّما أبكي ليوم لقيته

بجرثم صاد كلّ ما بعده جلل (٣)

أي : صغير.

__________________

(١) البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٣١ ، وخزانة الأدب ١ / ٥٦ ، والدرر ١ / ٨٢ ، ورصف المباني ص ٢٤٥ ، وسرّ صناعة الإعراب ص ٤٩٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢١٩ ، وشرح التصريح ١ / ٨٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٣٥٩ ، وشرح المفصّل ١ / ٤٧ ، والكتاب ٣ / ٢٣٣ ، والمقاصد النحوية ١ / ١٩٦ ، والمقتضب ٣ / ٣٣٣ ، و٤ / ٣٨ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٦٩ ، وشرح الأشموني ١ / ٤١ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٤ ، وشرح المفصل ٩ / ٣٤.

(٢) البيت للبيد في ديوانه ص ١٩٧ ، وكتاب العين ٧ / ٣٨٣.

(٣) البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٩٣.

١٢١

وأما قوله (ابتغاء مرضات الله) [الآية ٢٠٧] فإن انتصابه على الفعل وهو على «يشري» كأنه قال «لابتغاء مرضاة الله» فلما نزع اللام عمل الفعل. ومثله (حذر الموت) [البقرة : الآية ١٩] وأشباه هذا كثير. قال الشاعر : [الطويل]

١٤٠ ـ وأغفر عوراء الكريم ادّخاره

وأعرض عن شتم اللئيم تكرّما (١)

لما حذف اللام عمل فيه الفعل.

وقال (ادخلوا فى السّلم كآفّة) [الآية ٢٠٨] و «السّلم» : الإسلام. وقوله (وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون) [محمد : ٣٥] ذلك : الصلح. وقد قال بعضهم في «الصلح» : «السّلم». وقال (ويلقوا إليكم السّلم) [النّساء : الآية ٩١] وهو الاستسلام. وقال (وإذا خاطبهم الجهلون قالوا سلما) [الفرقان : الآية ٦٣] أي : «قالوا براءة منكم» لأنّ «السّلام» في بعض الكلام هو : البراءة. تقول : «إنّما فلان سلام بسلام» أي : لا يخالط أحدا. قال الشاعر : [الوافر]

١٤١ ـ سلامك ربّنا في كلّ فجر

بريئا ما تغنّثك الذّموم (٢)

يعني تأوّبك ، يقول : «براءتك». وقال (إذ دخلوا عليه فقالوا سلما قال سلم) [الذّاريات : الآية ٢٥] وهذا فيما يزعم المفسرون : قالوا خيرا. كأنه ـ والله أعلم ـ سمع منهم التوحيد فقد قالوا خيرا ، فلما عرف أنهم موحدون قال : «سلام عليكم» فسلم عليهم. فهذا الوجه رفع على الابتداء. وقال بعضهم : «ما كان من كلام الملائكة فهو نصب وما كان من الإنسان فهو رفع في السلام». وهذا ضعيف ليس بحجة. وقال (فاصفح عنهم وقل سلم) [الزّخرف : الآية ٨٩] فهذا يجوز على معنى : «سلام عليكم» في التسليم. أو يكون على البراءة إلا أنه جعله خبر المبتدأ كأنه قال «أمري سلام» أي : أمري براءة منكم ، وأضمر الاسم كما يضمر الخبر. وقال الشاعر : [الطويل]

__________________

(١) البيت لحاتم الطائي في ديوانه ص ٢٢٤ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٢٢ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٥٢ ، وشرح المفصّل ٢ / ٥٤ ، والكتاب ١ / ٣٦٨ ، ولسان العرب (عور) ، واللمع ص ١٤١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٧٥ ، ونوادر أبي زيد ص ١١٠ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٨٧ ، وخزانة الأدب ٣ / ١١٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٩٦ ، والكتاب ٣ / ١٢٦ ، ولسان العرب (خصص) ، والمقتضب ٢ / ٣٤٨.

(٢) البيت لأمية بن أبي الصلب في ديوانه ص ٥٤ ، وإنباه الرواة ٢ / ٤٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٠٥ ، والكتاب ١ / ٣٢٥ ، ولسان العرب (غنث) ، (ذمم) ، (سلم) ، ومراتب النحويين ص ١١٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٨٣ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٤٢٨ ، وخزانة الأدب ٧ / ٢٣٥.

١٢٢

فيا ظبية الوعساء بين جلاجل

وبين النّقا أأنت أم أمّ سالم (١)

على : «أأنت هي أم أم سالم» أي : أشكلت عليّ بشبه أمّ سالم بك. وكل هذا قد أضمر الخبر فيه. ومثل ذلك (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا) [الحديد : ١٠] فلما قال (أولئك أعظم درجة مّن الّذين أنفقوا من بعد وقتلوا) [الحديد : الآية ١٠] كان فيه دليل على معنى (لا يستوى منكم مّن أنفق من قبل الفتح) [الحديد : الآية ١٠] «ومن أنفق من بعد الفتح» أي لا يستوي هؤلاء وهؤلاء.

وقال (ولا تتّبعوا خطوات الشّيطن) [الآية ٢٠٨] لأن كل اسم على «فعلة» خفيف إذا جمع حرك ثانية بالضم نحو «ظلمات» و «غرفات» لأن مخرج الحرفين بلفظ واحد إذا قرب أحدهما من صاحبه كان أيسر عليهم. وقد فتحه بعضهم فقال : «الركبات» و «الغرفات» و «الظلمات» ، وأسكن بعضهم ما كان من الواو كما يسكن ما كان من الياء نحو «كليات» أسكن اللام لئلا تحوّل الياء واوا فأسكنها في «خطوات» لأن الواو أخت الياء. وما كان على «فعلة» نحو : «سلوة» و «شهوة» حرّك ثانية في الجمع بالفتح نحو «سلوات» و «شهوات» ، فإذا كان أوله مكسورا كسر ثانية نحو «كسرة» و «كسرات» ، و «سدرة» ، و «سدرات». وقد فتح بعضهم ثاني هذا كما فتح ثاني المضموم واستثقل الضمتين والكسرتين. وما كان من نحو هذا ثانيه واو أو ياء أو التقى فيه حرفان من جنس واحد لم يحرّك ، نحو : «دومة» و «دومات» ، «وعوذة» و «عوذات» وهي : المعاذة ، و «بيضة» و «بيضات» ، و «ميتة» و «ميتات» ، لأن هذا لو حرّك لتغير وصار ألفا فكان يغير بناء الاسم فاستثقلوا ذلك.

وقالوا : «عضة» و «عضات» فلم يحركوا لأن هذا موضع تتحرك فيه لام الفعل فلا يضعف ولو لا أنه حرك لضعف وأكثر ما في «الظلمات» و «الكسرات» وما أشبههما أن يحرك الثاني على الأول. وقد دعاهم ذلك إلى أن قالوا «أذكر» فضموا الألف لضمة الكاف وبينها حرف فذلك أخلق. وقد قال بعضهم : «أنا أنبوك» و «أنا أجوك» فضم الباء والجيم لضمة الهمزة ليجعلها على لفظ واحد ، فهذا أشد من ذاك. وقال : «هذا هو منحدر من الجبل» يريد «منحدر» فضم الدال لضمة الراء ، كما ضم الباء والجيم في «أنبوك» و «أجوك».

__________________

(١) تقدم البيت مع تخريجه برقم ١٤.

١٢٣

وقال (هل ينظرون إلّا أن يأتيهم الله فى ظلل مّن الغمام والملئكة) [الآية ٢١٠] على «وفي الملائكة». وقال بعضهم (والملئكة) أي : وتأتيهم الملائكة. والرفع هو الوجه وبه نقرأ ، لأنه قد قال ذلك في غير مكان. قال (وجاء ربّك والملك) [الفجر : الآية ٢٢] وقال (إلا أن تأتيهم الملائكة ويأتي ربك) [الأنعام : ١٥٨] و «الملك» في هذا الموضع جماعة كما تقول : «أهلك الناس الدينار والدرهم» و «هلك البعير والشّاء» تريد : جماعة الإبل والشاء. وقوله (إلّا أن يأتيهم الله) [الآية ٢١٠] يعني أمره ، لأنّ الله تبارك وتعالى لا يزول كما تقول : «قد خشينا أن تأتينا بنو أميّة» وإنما تعني حكمهم.

وقال (وما اختلف فيه إلّا الّذين أوتوه من بعد ما جآءتهم البيّنت بغيا بينهم) [الآية ٢١٣] يقول : «وما اختلف فيه إلّا الذين أوتوه بغيا بينهم من بعد ما جاءتهم البيّنات».

وقال (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) [الآية ٢١٦] وقال بعضهم (حملته امه كرها) [الأحقاف : ١٥] وقال بعضهم : (كرها) وهما لغتان مثل «الغسل» و «الغسل» ، و «الضّعف» و «الضّعف» إلا أنه قد قال بعضهم إنه إذا كان في موضع المصدر كان «كرها» كما تقول : «لا تقوم إلا كرها» وتقول : «لا تقوم إلا على كره» وهما سواء مثل «الرّهب» و «الرّهب» وقال بعضهم : «الرّهب» كما قالوا : «البخل» و «البخل» و «البخل». وإنما قال (كره لّكم) [الآية ٢١٦] أي : ذو كره وحذف «ذو» كما قال (وسئل القرية) [يوسف : الآية ٨٢].

وقال (وصدّ عن سبيل الله) [الآية ٢١٧].

وقال (وكفر به والمسجد الحرام) [الآية ٢١٧] على «وصدّ عن المسجد الحرام».

ثم قال : (وإخراج أهله منه أكبر) [الآية ٢١٧] على الابتداء.

وقال : (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعملهم) [الآية ٢١٧] فضعّف لأن أهل الحجاز إذا كانت لام الفعل ساكنة ضعفوا وهي ها هنا ساكنة أسكنها بالجزاء. وقال : (ومن يرتدّ منكم عن دينه فسوف) [المائدة : ٥٤] فلم يضاعف في لغة من لا يضاعف لأن من لا يضاعف كثير.

١٢٤

وقال : (ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو) [الآية ٢١٩] إذا جعلت (ماذا) بمنزلة «ما». وإن جعلت (ماذا) بمنزلة «الذي» قلت : (قل العفو) [الآية ٢١٩] والأولى منصوبة وهذه مرفوعة كأنه قال : «ما الذي ينفقون» فقال : «الذي ينفقون العفو». وإذا نصبت فكأنه قال : «ما ينفقون» فقال : «ينفقون العفو» لأن «ما» إذا لم تجعل بمنزلة «الذي» ف «العفو» منصوب ب «ينفقون». وإن جعلت بمنزلة «الذي» فهو مرفوع بخبر الابتداء كما قال (مّاذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأوّلين) [النّحل : الآية ٢٤] جعل (ماذا) بمنزلة «الذي» وقال (ماذا أنزل ربّكم قالوا خيرا) [النّحل : الآية ٣٠] جعل (ماذا) بمنزلة «ما». وقد يكون إذا جعلها بمنزلة «ما» وحدها الرفع على المعنى. لأنه لو قيل له : «ما صنعت»؟ فقال : «خير» ، أي : الذي صنعت خير ، لم يكن به بأس. ولو نصبت إذا جعلت «ذا» بمنزلة «الذي» كان أيضا جيدا لأنه لو قيل لك : «ما الذي صنعت»؟ فقلت : «خيرا» أي : صنعت خيرا ، كان صوابا. قال الشاعر : [الوافر]

دعي ماذا علمت سأتّقيه

ولكن بالمغيّب نبّئيني (١)

جعل «ما» و «ذا» بمنزلة «ما» وحدها ، ولا يجوز أن يكون «ذا» بمنزلة «الذي» في هذا البيت لأنك لو قلت : «دعي ما الذي علمت» لم يكن كلاما. وقال أهل التأويل في قوله (مّاذا أنزل ربّكم قالوا أسطير الأوّلين) [النّحل : الآية ٢٤] لأن الكفار جحدوا أن يكون ربهم أنزل شيئا فقالوا لهم : «ما تقولون أنتم أساطير الأوّلين» أي : «الذي تقولون أنتم أساطير الأولين» ليس على «أنزل ربّنا أساطير الأولين». وهذا المعنى فيما نرى ـ والله أعلم ـ كما قال (وإن تخالطوهم فإخوانكم) [الآية ٢٢٠] أي : فهم إخوانكم.

قال (ويسئلونك عن المحيض) [الآية ٢٢٢] وهو : الحيض. وإنما أكثر الكلام في المصدر إذا بني هكذا أن يراد به «المفعل» نحو قولك : «ما في برّك مكال» أي : كيل. وقد قيلت الأخرى أي : قيل «مكيل» وهو مثل «محيض» من الفعل إذا كان مصدرا للتي في القرآن وهي أقل. قال الشاعر : [الكامل]

١٤٢ ـ بنيت مرافقهنّ فوق مزلّة

لا يستطيع بها القراد مقيلا (٢)

__________________

(١) تقدم البيت مع تخريجه برقم ٣٠.

(٢) البيت للراعي النميري في ديوانه ص ٢٤١ ، والحيوان ٥ / ٤٣٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٣٢ ، وشرح اختيارات المفضّل ص ٢٥٠ ، ٩٨٣ ، والكتاب ٤ / ٨٩ ، ولسان العرب (حبس) ، (زلل) ، وتاج العروس (زلل).

١٢٥

يريد : «قيلولة». وتقول : «جئت مجيئا حسنا». فبنوه على «مفعل» وهو مصدره.

وقال (ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن) [الآية ٢٢٢] لأنك تقول : «طهرت المرأة» ف «هي تطهر». وقال بعضهم : «طهرت». وقالوا : «طلقت» «تطلق» و «طلقت» «تطلق» أيضا. ويقال للنفساء إذا أصابها النفاس : «نفست» فإذا أصابها الطلق قيل : «طلقت».

وقال (لّا يؤاخذكم الله بالّلغو فى أيمنكم) [الآية ٢٢٥] تقول : «لغوت في اليمين» ف «أنا ألغو» «لغوا» ومن قال : «هو يمحا» قال : «هو يلغا» «لغوا» و «محوا». وقد سمعنا ذلك من العرب. وتقول : «لغيت باسم فلان» ف «أنا ألغى به» «لغى» أي : أذكره.

وقال (لّلّذين يؤلون من نّسائهم) [الآية ٢٢٦] تقول : «آلى من امرأته» «يؤلي» «إيلاء» و «ظاهر منها» «ظهارا» كما تقول : «قاتل» «قتالا». (تربّص أربعة أشهر) [الآية ٢٢٦] (لّلّذين يؤلون) [الآية ٢٢٦] جعل ذلك لهم أجلا (فان فاءوا) [الآية ٢٢٦] يعني : «فإن رجعوا» لأنك تقول : «فئت إلى الحقّ».

وقال (ثلثة قروء) [الآية ٢٢٨] ممدودة مهموزة وواحدها «القرء» خفيفة مهموزة مثل : «القرع» وتقول : «قد أقرأت المرأة» «إقراء» بالهمز ، إذا صارت صاحبة حيض. وتقول : «ما قرأت حيضة قط» مثل : «ما قرأت قرآنا». و: «قد قرأت حيضة أو حيضتين» بالهمز ، و «ما قرأت جنينا قطّ» مثلها. أي : ما حملت. و «القرء» : انقطاع الحيض ، وقال بعضهم : «ما بين الحيضتين. قال الشاعر : [الوافر]

١٤٣ ـ ذراعي بكرة أدماء بكر

هجان اللّون لم تقرأ جنينا (١)

وأما قول الشاعر : [الطويل]

١٤٤ ـ فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها

لما نسجتها من جنوب وشمأل (٢)

__________________

(١) البيت لعمرو بن كلثوم في ديوانه ص ٦٨ ، ولسان العرب (هجن) ، (عطل) ، وجمهرة اللغة (١٠١) ، وكتاب العين ٥ / ٢٠٥ ، وتاج العروس (قرأ) ، (بكر) ، (عطل) ، (هجن) ، وجمهرة أشعار العرب ١ / ٣٩٢ ، وشرح ديوان امرىء القيس ص ٣٢٢ ، وشرح القصائد السبع ص ٣٧٩ ، وشرح القصائد العشر ص ٣٢٦ ، وشرح المعلقات السبع ص ١٦٩ ، وشرح المعلقات العشر ص ٨٩ ، وبلا نسبة في لسان العرب (قرأ) ، (بكر).

(٢) البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٨ ، والأضداد ص ٩٣ ، وخزانة الأدب ١١ / ٦ ، والدرر ١ / ـ

١٢٦

فإن «المقراة» : المسيل وليس بمهموز.

وقال (فلا تعضلوهنّ) [الآية ٢٣٢] ينهى أزواجهن أن يمنعوهن من الأزواج.

وقال (حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة) [الآية ٢٣٣] لأنه يقول : «بيني وبينك رضاعة» و «رضاع» وتقول : «اللّؤم والرّضاعة» وهي في كل شيء مفتوحة. وبعض بني تميم يكسرها إذا كانت في الارتضاع يقول : «الرّضاعة».

وقال (لا تكلّف نفس إلّا وسعها لا تضارّ ولدة) [الآية ٢٣٣] رفع على الخبر يقول : «هكذا في الحكم أنه لا تضارّ والدة بولدها» يقول : «ينبغي» فلما حذف «ينبغي» وصار «تضارّ» في موضعه صار على لفظه. ومثله : (والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا) [الآية ٢٣٤] فخبر (والّذين يتوفّون) [الآية ٢٣٤] (يتربّصن) [الآية ٢٢٨] «بعد موتهم» ولم يذكر «بعد موتهم» كما يحذف بعض الكلام يقول : «ينبغي لهنّ أن يتربّصن» فلما حذف «ينبغي» وقع «يتربّصن» موقعه. قال الشاعر : [الطويل]

١٤٥ ـ على الحكم المأتيّ يوما إذا قضى

قضيّته أن لا يجور ويقصد (١)

فرفع «ويقصد» على قوله : «وينبغي». ومن جعل (لا تضارّ) [الآية ٢٣٣] على النهي قال (لا تضارّ) [الآية ٢٣٣] على النصب وهذا في لغة من لم يضعف ، فأما من ضعف فإنه يقول (لا تضارر) إذا أراد النهي لأن لام الفعل ساكنة إذا قلت «لا تفاعل» وأنت تنهى. إلا أن «تضار» ها هنا غير مضعفة لأن ليس في الكتاب إلا راء واحدة.

وقال (لا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النساء) [٢٣٥] ف «الخطبة» : الذكر ، و «الخطبة» : التشهّد.

وقال (ولكن لّا تواعدوهنّ سرّا) [الآية ٢٣٥] لأنه لما قال (لّا جناح عليكم) كأنه قال : «تذكرون» (ولكن لّا تواعدوهنّ سرّا إلّا أن تقولوا) [الآية ٢٣٥] استثناء

__________________

ـ ٢٨٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٦٣ ، ٢ / ٧٤٣ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٢٧ ، ومغني اللبيب ١ / ٣٣١ ، والمنصف ٣ / ٢٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٨٨.

(١) البيت لأبي اللحام التغلبي في خزانة الأدب ٨ / ٥٥٥ ، ٥٥٧ ، ٥٥٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٨٢ ، وشرح المفصل ٧ / ٣٨ ، ٣٩ ، ولعبد الرحمن ابن أم الحكم في الكتاب ٣ / ٥٦ ، ولأبي اللحام أو لعبد الرحمن في لسان العرب (قصد) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٤٣ ، وجواهر الأدب ص ١٦٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٨ ، والمحتسب ١ / ١٤٩ ، ٢ / ٢١ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٥٩.

١٢٧

خارج على «ولكن».

قال (فنصف ما فرضتم) [الآية ٢٣٧] أي : فعليكم نصف ما فرضتم (إلّا أن يعفون) [الآية ٢٣٧] وإن شئت نصبت (نصف ما فرضتم) على الأمر.

قال (وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم) [الآية ٢٣٧] وقال بعضهم (ولا تناسوا) ، وكلّ صواب. وقال بعضهم (ولا تنسوا الفضل) [الآية ٢٣٧] فكسر الواو لاجتماع الساكنين كما قال (إشتروا الضلالة).

وقال (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) [الآية ٢٣٩] يقول : «صلّوا رجالا أو صلّوا ركبانا».

وقال (ذلك يوعظ به) [الآية ٢٣٢] و (ذلكم أزكى لكم وأظهر) [الآية ٢٣٢] لأنه خاطب رجالا ، وقال في موضع آخر (ذلكن الذي لمتنني فيه) [يوسف : ٣٢] لأنه خاطب نساء ، ولو ترك «ذلك» ولم يلحق فيها أسماء الذين خاطب كان جائزا. وقال (من يأت منكنّ بفحشة مّبيّنة يضعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا) [الأحزاب : الآية ٣٠] ولم يقل (ذلكن) وقال (فاستبشروا ببيعكم الّذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) [التّوبة : الآية ١١١]. وقال في المجادلة (ذلكم خير لكم وأطهر) [المجادلة : ١٢] وليس بأبعد من قوله (حتّى إذا كنتم فى الفلك وجرين بهم) [يونس : الآية ٢٢] فخاطب ثم حدّث عن غائب لأن الغائب هو الشاهد في ذا المكان. وقال (هل انبئكم بشر من ذلك مثوبة).

وقال (وصيّة لّأزواجهم) [الآية ٢٤٠] كأنه قال : «لأزواجهم وصيّة» (مّتعا إلى الحول) [الآية ٢٤٠] ونصب (متعا) لأنه حين قال (لّأزوجهم وصيّة) فكأنه قد قال : «فمتّعوهنّ» (متعا) [الآية ٢٣٦] فعلى هذا انتصب قوله (مّتعا إلى الحول غير إخراج) [الآية ٢٤٠] يقول «لا إخراجا» أي : «متاعا لا إخراجا» أي : لا تخرجوهن إخراجا. وزعموا أنها في حرف ابن مسعود (كتب عليكم وصية لأزواجك).

وقال (وللمطلّقات متع بالمعروف حقّا) [الآية ٢٤١] أي : أحقّ ذلك حقّا.

وقال بعضهم (وصية لّأزواجهم) [الآية ٢٤٠] فنصب على الأمر ورفع أي : «عليكم وصية بذلك» و «أوصوا لهنّ وصيّة».

وقال (مّن ذا الّذى يقرض الله قرضا حسنا فيضعفه له) [الآية ٢٤٥] وقال بعضهم (فيضعّفه له). وتقرأ نصبا أيضا إذا نويت بالأول الاسم لأنه لا يكون أن

١٢٨

تعطف الفعل على الاسم ، فأضمر في قوله (فيضعفه) [البقرة : الآية ٢٤٥] «أن» حتى تكوّن اسما فتجريه على الأوّل إذا نوى به الاسم. والرفع لغة بني تميم لأنهم لا ينوون بالأول الاسم فيعطفون فعلا على فعل. وليس قوله (يقرض الله) [البقرة : الآية ٢٤٥] لحاجة بالله ولكن هذا كقول العرب : «لك عندي قرض صدق» و «قرض سوء» لأمر تأتي فيه مسرّته أو مساءته. قال الشاعر : [البسيط]

١٤٦ ـ لا تخلطنّ خبيثات بطيّبة

واخلع ثيابك منها وانج عريانا (١)

كلّ امرىء سوف يجزى قرضه حسنا

أو سيّئا أو مدينا مثل ما دانا

ف «القرض» : ما سلف من صالح أو من سيىء ، قال (وما لنا ألّا نقتل فى سبيل الله) [الآية ٢٤٦] ـ (أن) ها هنا زائدة كما زيدت بعد «فلما» و «لما» و «لو» فهي تزاد في هذا المعنى كثيرا. ومعناه : «وما لنا لا نقاتل» فأعمل «أن» وهي زائدة كما قال : «ما أتاني من أحد» فأعمل «من» وهي زائدة. قال الفرزدق (٢) : [البسيط]

١٤٧ ـ لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها

إليّ لامت ذوو أحسابها عمرا (٣)

المعنى : لو لم تكن غطفان لها ذنوب. و «لا» زائدة وأعملها.

وقال (فيه سكينة مّن رّبّكم) [الآية ٢٤٨]. و «السّكينة» هي : الوقار. وأما الحديد فهو : «السّكّين ، مشدد الكاف. وقال بعضهم : «هي السّكّين» مثلها في التشديد إلا أنّها مؤنثة فأنث. والتأنيث ليس بالمعروف وبنو قشير يقولون : «سخّين» للسكين. وقال (وءاتت كلّ واحدة مّنهنّ سكّينا) [يوسف : الآية ٣١].

وقال (ولو لا دفع الله النّاس بعضهم ببعض) [الآية ٢٥١] فنصبت (النّاس) على إيقاعك الفعل بهم ثم أبدلت منهم (بعضهم) للتفسير.

وقال (مّنهم مّن كلّم الله) [الآية ٢٥٣] أي كلمة الله فلفظ الجلالة في ذا الموضع رفع.

__________________

(١) البيتان لأمية بن أبي الصلب في ديوانه ص ٦٣ ، والبيت الثاني في لسان العرب (قرض) ، وتاج العروس (قرض) ، وتهذيب اللغة ٨ / ٣٤٠.

(٢) الفرزدق : هو همام بن غالب ، تقدمت ترجمته.

(٣) البيت للفرزدق في ديوانه ١ / ٢٣٠ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٠ ، ٣٢ ، ٥٠ ، والدرر ٢ / ٢٢٦ ، وشرح التصريح ١ / ٢٣٧ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٢٢ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٣ ، والخصائص ٢ / ٣٦ ، ولسان العرب (عطف) ، وهمع الهوامع ١ / ١٤٧.

١٢٩

وقال (ورفع بعضهم درجت) [الآية ٢٥٣] أي رفع الله بعضهم درجات.

وقال (لا تأخذه سنة ولا نوم) [الآية ٢٥٥] تقول «وسن» «يوسن» «سنّة» و «وسنا».

وقال (ولا يؤده حفظهما) [الآية ٢٥٥] لأنه من «آده» «يؤوده» «أودا» وتفسيره : لا يثقله.

وقال (قد تّبيّن الرّشد من الغىّ) [الآية ٢٥٦] وإن شئت (الرّشد من الغىّ) [الآية ٢٥٦] مضمومة ومفتوحة.

[وقال] (والّذين كفروا أولياؤهم الطّغوت) [الآية ٢٥٧] جماعة في المعنى وهو في اللفظ واحد وقد جمع فقالوا «الطواغيت».

وأما قوله : (يخرجهم مّن الظّلمت إلى النّور) [الآية ٢٥٧] فيقول : «يحكم بأنّهم كذاك» كما تقول : «قد أخرجك الله من ذا الأمر» ولم تكن فيه قط. وتقول : «أخرجني فلان من الكتبة» ولم تكن فيها قط. أي : لم يجعلني من أهلها ولا فيها.

وقال (فبهت الّذى كفر) [الآية ٢٥٨] أي : بهته إبراهيم و «(بهت) أجود وأكثر.

وقال (أو كالّذى مرّ على قرية) [الآية ٢٥٩] الكاف زائدة والمعنى ـ والله أعلم ـ (ألم تر إلى الّذى حاجّ إبراهيم فى ربّه) [الآية ٢٥٨] (أو الذي مر على قرية) والكاف زائدة. وفي كتاب الله (ليس كمثله شىء) [الشّورى : الآية ١١] يقول : «ليس كهو» لأنّ الله ليس له مثل.

وقال (لم يتسنّه) [الآية ٢٥٩] فتثبت الهاء للسكوت وإذا وصلت حذفتها مثل (إخشه). وأثبتها بعضهم في الوصل فقال (لم يتسنّه وانظر) [الآية ٢٥٩] فجعل الهاء من الأصل وذلك في المعنى : لم تمرر عليه السنون ، ف «السّنة» منهم من يجعلها من الواو فيقول : «سنيّة» ومنهم من يجعلها من الهاء فيقول : «سنيهة» يجعل الذي ذهب منها هاء كأنه أبدلها من الواو كما قالوا : «أسنتوا» : إذا أصابتهم السنون. أبدل التاء من الهاء ويقولون : «بعته مساناة» و «مسانهة». ويكون : (لم يتسنه) أن تكون هذه الهاء للسكوت. ويحمل قول الذين وصلوا بالهاء على الوقف الخفي وبالهاء نقرأ في الوصل.

وقال (وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف

١٣٠

ننشرها) [٢٥٩] من «نشرت» التي هي ضدّ «طويت» وقال بعضهم (ننشرها) لأنه قد تجتمع «فعلت» و «أفعلت» كثيرا في معنى واحد تقول : «صددت» و «أصددت» وقد قال (ثمّ إذا شآء أنشره) (٢٢) [عبس : الآية ٢٢] وقال بعضهم (ننشزها) [الآية ٢٥٩] أي : نرفعها. تقول : «نشز هذا» و «أنشزته».

وقال (أعلم أنّ الله على كلّ شىء قدير) [الآية ٢٥٩] إذا عنى نفسه. وقال بعضهم (قال اعلم) جزم على الأمر كما يقول : «اعلم أنّه قد كان كذا وكذا» كأنه يقول ذاك لغيره وإنما ينبه نفسه والجزم أجود في المعنى إلا أنه أقل في القراءة والرفع قراءة العامة وبه نقرأ.

وأما قوله (ربّ أرنى كيف تحى الموتى) [الآية ٢٦٠] فلم يكن ذلك شكا منه ، ولم يرد به رؤية القلب ، وإنما أراد به رؤية العين.

وقول الله عزوجل له (أولم تؤمن) [الآية ٢٦٠] يقول : «ألست قد صدقت» أي : أنت كذاك. قال الشاعر : [الوافر]

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح (١)

وقوله (لّيطمئنّ قلبى) [الآية ٢٦٠] أي : قلبي ينازعني إلى النظر ، فإذا نظرت اطمأن قلبي.

قال (فخذ أربعة من الطير فصرهنّ اليك) [الآية ٢٦٠] أي : قطّعهنّ ، وتقول منها : «صار» «يصور». وقال بعضهم (فصرهنّ) [الآية ٢٦٠] فجعلها من «صار» «يصير» وقال (إليك) لأنه يريد : «خذ أربعة إليك فصرهنّ».

وقال (كمثل جنّة بربوة) [الآية ٢٦٥] وقال بعضهم (بربوة) [الآية ٢٦٥] ، و (بربوة) [الآية ٢٦٥] ، و (برباوة) و (برباوة) كلّ من لغات العرب وهو كله من الرابية وفعله : «ربا» «يربو».

وقال (كمثل صفوان) [الآية ٢٦٤] والواحدة «صفوانة». ومنهم من يجعل «الصّفوان» واحدا فيجعله : الحجر. ومن جعله جميعا جعله : الحجارة مثل : «التمرة» و «التمر». وقد قالوا «الكذّان» : «الكذّانة» وهو شبه الحجر من الطين.

قال (فآتت أكلها ضعفين) [الآية ٢٦٥] وقال (مختلفا أكله) و «الأكل» :

__________________

(١) تقدم البيت مع تخريجه برقم ٣٣.

١٣١

هو : ما يؤكل. و «الأكل» هو الفعل الذي يكون منك. تقول : «أكلت أكلا» و «أكلت أكلة واحدة» وإذا عنيت الطعام قلت : «أكلة واحدة». قال : [الطويل]

١٤٨ ـ ما أكلة أكلتها بغنيمة

ولا جوعة أن جعتها بغرام (١)

ففتح الألف لأنه يعني الفعل. ويدلك عليه «ولا جوعة» وإن شئت ضممت «الأكلة» وعنيت به الطعام.

وقال (له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّة ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت) [الآية ٢٦٦] وقال في موضع آخر (ذرّيّة ضعفا) [النّساء : الآية ٩] وكلّ سواء لأنك تقول : «ظريف» و «ظراف» و «ظرفاء» وهكذا جمع «فعيل».

وقال (فإن لّم يصبها وابل فطلّ) [الآية ٢٦٥].

وتقول في «الوابل» وهو : المطر الشديد : «وبلت السماء» و «أوبلت» مثل «مطرت» و «أمطرت» ، و «طلّت» و «أطلّت» من «الطلّ» ، و «غاثت» و «أغاثت» من «الغيث». وتقول : «وبلت الأرض» فهي «موبولة» مثل «وثئت رجله» ولا يكون «وبلت» وقوله (أخذا وبيلا) [المزمّل : الآية ١٦] من ذا يعني : شديدا.

وقال (الشّيطن يعدكم الفقر) [الآية ٢٦٨] وقال بعضهم (الفقر) [الآية ٢٦٨] مثل : «الضّعف» و «الضعف» وجعل «يعد» متعديا إلى مفعولين.

وقال (وما أنفقتم مّن نّفقة أو نذرتم مّن نّذر فإنّ الله يعلمه) [الآية ٢٧٠] تحمل الكلام على الآخر كما قال (ومن يكسب خطيئة أو اثما ثم يرم به بريئا) [النساء : ١١٢]. وإن شئت جعلت تذكير هذا على «الكسب» في المعنى كما قال (إن تبدو الصدقات فنعما هي وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) [الآية ٢٧١] يقول : «فالإيتاء خير لكم والإخفاء». وقوله (وما أنزل عليكم مّن الكتب والحكمة يعظكم به) [البقرة : الآية ٢٣١] فهذا على (ما). وقوله (أو نذرتم) [الآية ٢٧٠] تقول : «نذر» «ينذر على نفسه» «نذرا» و «نذرت مالي» ف «أنا أنذره» «نذرا» أخبرنا بذلك يونس (٢) عن العرب ، وفي كتاب الله عزوجل (إنّى نذرت لك ما فى بطنى محرّرا) [آل عمران : الآية ٣٥]. قال الشاعر : [مجزوء الكامل]

__________________

(١) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.

(٢) يونس : هو يونس بن حبيب النحوي ، تقدمت ترجمته.

١٣٢

١٤٩ ـ هم ينذرون دمي وأنذر

أن لقيت بأن أشدّا (١)

وقال عنترة (٢) : [الكامل]

١٥٠ ـ الشاتمي عرضي ولم أشتمهما

والنّاذرين إذا لم القهما دمي (٣)

وقال (الّذين ينفقون أمولهم بالّيل والنّهار سرّا وعلانية فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم) [الآية ٢٧٤] فجعل الخبر بالفاء إذ كان الاسم «الذي» وصلته فعل لأنه في معنى «من». و «من» يكون جوابها بالفاء في المجازاة لأن معناها «من ينفق ماله فله كذا». وقال (الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله ثمّ ماتوا وهم كفّار فلن يغفر الله لهم) [محمّد : الآية ٣٤] وقال (والّذين قتلوا فى سبيل الله فلن يضلّ أعملهم) [محمّد : الآية ٤] وهذا في القرآن والكلام كثير ومثله «الذي يأتينا فله درهم».

وقال (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب) [الآية ٢٧٩]. تقول : «قد أذنت منك بحرب» و «هو يأذن».

وقال (لا تظلمون ولا تظلمون) [الآية ٢٧٩] وقال بعضهم (لا تظلمون ولا تظلمون) [الآية ٢٧٩] كله سواء في المعنى.

وقال (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) [الآية ٢٨٠] يقول : «وإن كان ممّن تقاضون ذو عسرة فعليكم أن تنظروا إلى الميسرة» وقال بعضهم (فنظرة) [الآية ٢٨٠] وإن شئت لم تجعل ل «كان» خبرا مضمرا وجعلت «كان» بمنزلة : «وقع» وقال بعضهم (ميسره) وليست بجائزة لأنه ليس في الكلام «مفعل». ولو

__________________

(١) البيت لعمرو بن معدي كرب الزبيدي في ديوانه ص ٦٩.

(٢) هو عنترة بن عمرو بن شداد بن عمرو بن قراد بن مخزوم بن عوف بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض ، شاعر بني عبس المشهور وفارسهم المغوار. ولد من أمة حبشية فورث لونها وبعض ملامحها ، عرف بعنترة الفلحاء ـ صفة لمشقوق الشفة. تنكّر له والده ، ولم يلحقه بنسبه شأن أولاد الإماء الذين لا يعترف بهم آباؤهم إلا إذا نجبوا. عاش عنترة يرعى الإبل ، وفتن بابنة عمه عبلة.

كانت له أيام مشهورة في حرب داحس والغبراء ، واشترك في يوم ذي قار سنة ٦١٠ م ، فجرح ثم مات متأثرا بجراحه سنة ٨ قبل الهجرة. (معجم الشعراء الجاهليين ص ٢٧٤ ـ ٢٧٥).

(٣) البيت لعنترة في ديوانه ص ٢٢٢ ، والأغاني ٩ / ٢١٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٦٩ ، والشعر والشعراء ١ / ٢٥٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥٥١ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٢٢٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٠٩.

١٣٣

قرؤها (موسره) جاز لأنه من «أيسر» مثل : «أدخل» ف «هو مدخل». وقال بعضهم (فناظره إلى ميسرة) و (ميسرة) [الآية ٢٨٠] فجعلها «فاعل» من «ناظر» وجزمها للأمر.

وقال (وأن تصدّقوا خير لّكم) [الآية ٢٨٠] يقول : «الصدقة خير لكم». جعل (أن تصدقوا) اسما مبتدأ وجعل (خير لّكم) [البقرة : الآية ٥٤] خبر المبتدأ.

وقال (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين) [الآية ٢٨٢] أي : إن لم يكن الشهيدان رجلين. (فرجل وامرأتان) [الآية ٢٨٢] فالذي يستشهد رجل وامرأتان.

وقال (ولا تسئموا) [الآية ٢٨٢] لأنها من «سئمت» «تسأم» «سآمة» و «سأمة» و «سآما» و «سأما».

وقال (ولا يأب الشّهدآء) [الآية ٢٨٢] جزم لأنه نهي وإذا وقفت قلت «يأب» فتقف بغير ياء.

وقال (إلّا أن تكون تجارة حاضرة) [الآية ٢٨٢] أي تقع تجارة حاضرة. وقد يكون فيها النصب على ضمير الاسم «إلّا أن تكون تلك تجارة».

وقال (ولا يضارّ كاتب ولا شهيد) [الآية ٢٨٢] على النهي والرفع على الخبر. وهو مثل (لا تضارّ والدة بولدها) [الآية ٢٣٣] إلّا أنّه لم يقرأ (لا تضارّ) [الآية ٢٣٣] رفعا.

وقال (فرهن مّقبوضة) [الآية ٢٨٣] تقول : «رهن» ، و «رهان» مثل : «حبل» و «حبال». وقال أبو عمرو (١) : «فرهن» وهي قبيحة لأنّ «فعلا» لا يجمع على «فعل» إلا قليلا شاذا ، زعم أنهم يقولون : «سقف» و «سقف» وقرأوا هذه الآية (سقفا مّن فضّة) [الزّخرف : الآية ٣٣] وقالوا : «قلب» و «قلب» و «قلب» من «قلب النّخلة» و «لحد» و «لحد» ل «لحد القبر» وهذا شاذ لا يكاد يعرف. وقد جمعوا «فعلا» على «فعل» فقالوا : «ثطّ» و «ثطّ» ، و «جون» و «جون» ، و «ورد» و «ورد». وقد يكون «رهن» جماعة ل «الرّهان» كأنّه جمع الجماعة و «رهان» أمثل من هذا الاضطرار. وقد قالوا : «سهم خشن» في «سهام خشن» خفيفة. وقال أبو عمرو :

__________________

(١) أبو عمرو : هو أبو عمرو بن العلاء ، تقدمت ترجمته.

١٣٤

«قالت العرب : «رهن» ليفصلوا بينه وبين رهان الخيل». قال الأخفش (١) : «كلّ جماعة على «فعل» فإنّه يقال فيها «فعل»».

وقال (فليؤدّ الّذى اؤتمن أمنته) [الآية ٢٨٣] وهي من «أدّى» «يؤدّي» فلذلك همز و «اؤتمن» همزها لأنها من «الأمانة» وموضع الفاء منها همزة ، إلّا أنّك إذا استأنفت ثبتت ألف الوصل فيها فلم تهمز موضع الفاء لئلا تجتمع همزتان.

وقال (غفرانك ربّنا) [الآية ٢٨٥] جعله بدلا من اللفظ بالفعل كأنه قال : «اغفر لنا غفرانك ربّنا» ومثله «سبحانك» إنما هو «تسبيحك» أي «نسبحك تسبيحك» وهو البراءة والتنزيه.

وقوله (إذا تداينتم بدين) [الآية ٢٨٢] فقوله (بدين) تأكيد نحو قوله (فسجد الملائكة كلّهم أجمعون) (٣٠) [الحجر : الآية ٣٠] لأنّك تقول «تداينّا» فيدل على قولك «بدين». قال الشاعر : [الرجز]

١٥١ ـ داينت أروى والدّيون تقضى

فمطلت بعضا وأدّت بعضا (٢)

تقول : «داينتها وداينتني فقد تداينّا» كما تقول : «قابلتها وقابلتني فقد تقابلنا».

وقال (أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله) [الآية ٢٨٢] فأضمر «الشاهد». وقال (إلى أجله) إلى الأجل الذي تجوز فيه شهادته والله أعلم.

__________________

(١) الأخفش : هو المؤلف سعيد بن مسعدة.

(٢) الرجز لرؤبة في ديوانه ص ٧٩. ولسان العرب (أضض) ، (دين) ، والأغاني ٢٠ / ٣١١ ، والخصائص ٢ / ٩٦ ، وسمط اللآلي ص ٢٣١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٥٥ ، وشرح شواهد الشافية ص ٢٣٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٣٩ ، وتهذيب اللغة ١٢ / ٩٨ ، ١٤ / ١٨٥ ، وتاج العروس (أضض) ، (معض) ، (دين) ، (روى) ، وكتاب العين ١ / ٢٨٨ ، ٧ / ٤٣٤ ، ومجمل اللغة ١ / ١٤٨ ، ومقاييس اللغة ١ / ١٥ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٥٧ ، ٩٠٤ ، ورصف المباني ص ٣٤٥ ، وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٤٩٣ ، ٥٠٢ ، ٥١٣ ، ٥١٤ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٣٠٥ ، وشرح المفصل ١ / ٢٥ ، ٩ / ٣٣ ، والكتاب ٤ / ٢١٠ ، ومجمل اللغة ٢ / ٣٠٥ ، ومقاييس اللغة ٢ / ٣٢٠ ، والمخصص ١٢ / ٣٠٠ ، ١٧ / ١٥٥ ، وديوان الأدب ٤ / ٢٣٤.

١٣٥

سورة آل عمران

أما قوله (الحىّ القيّوم) [الآية ٢] فإن (القيّوم) : «الفيعول» ولكن الياء الساكنة إذا كانت قبل واو متحركة قلبت الواو ياء. وأصله «القيووم» و (الدّيّان) : «الفيعال» و «الدّيّار» : «الفيعال» وهي من «دار» «يدور» وأصله «الديوار» ولكن الواو قلبت ياء.

وأما (مصدّقا لّما بين يديه) [الآية ٣] فنصب على الحال.

وقال (هدى لّلنّاس) [الآية ٤] ف (هدى) في موضع نصب على الحال ولكن (هدى) [البقرة : الآية ٥] مقصور فهو متروك على حال واحد.

وقال (هنّ أمّ الكتاب) [الآية ٧] ولم يقل : «أمّهات» كما تقول للرجل : «ما لي نصير» فيقول : «نحن نصيرك» وهو يشبه «دعني من تمرتان». قال : [الرجز]

١٥٢ ـ تعرّضت لي بمكان حلّ

تعرّض المهرة في الطولّ

تعرّضا لم تأل عن قتلا لي (١)

فجعله على الحكاية لأنه كان منصوبا قبل ذلك كما ترى ، كما تقول : «نودي» «الصلاة الصلاة» أي : تحكي قوله : «الصلاة الصلاة» وقال بعضهم : إنّما هي «أن قتلا لي» ولكنه جعله عينا لأنّ من لغته في «أن» «عن». والنصب على الأمر كأنك قلت : «ضربا لزيد».

وقال (كلّ مّن عند ربّنا) [الآية ٧] لأن «كلّ» قد يضمر فيها كما قال (إنّا كلّ فيها) [غافر : ٤٨] يريد : كلّنا فيها. ولا تكون «كلّ» مضمرا فيها وهي صفة إنما تكون مضمرا فيها إذا جعلتها اسما فلو كان «إنّا كلّا فيها» على الصفة لم يجز لأن الإضمار فيها ضعيف لا يتمكن في كل مكان.

وقال (كدأبءال فرعون) [الآية ١١] يقول : «كدأبهم في الشرّ» من «دأب»

__________________

(١) الرجز لمنظور بن مرثد الأسدي في لسان العرب (قتل) ، وبلا نسبة في لسان العرب (أنن).

١٣٦

«يدأب» «دأبا».

وقال (قل لّلّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم) [الآية ١٢] أي : إنّكم ستغلبون. كما تقول : «قل لزيد» : «سوف تذهب» أي : إنّك سوف تذهب. وقال بعضهم (سيغلبون) أي : قل لهم الذي أقول. والذي أقول لهم «سيغلبون». وقال (قل لّلّذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم مّا قد سلف وإن يعودوا) [الأنفال : الآية ٣٨] فهذا لا يكون إلا بالياء في القرآن لأنه قال (يغفر لهم) [الأنفال : الآية ٣٨] ولو كان بالتاء قال (يغفر لمن) وهو في الكلام جائز بالتاء. وتجعلها «لكم» كما فسرت لك.

وقال (قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة) [الآية ١٣] على الابتداء رفع كأنه قال «إحداهما فئة تقاتل في سبيل الله» وقرئت جرا على أول الكلام على البدل وذلك جائز. قال الشاعر : [الطويل]

١٥٣ ـ وكنت كذي رجلين رجل صحيحة

ورجل بها ريب من الحدثان (١)

فرفع. ومنهم من يجرّ على البدل ومنهم من يرفع على إحداهما كذا وإحداهما كذا. وقال : [الطويل]

١٥٤ ـ وإنّ لها جارين لن يغدرابها

ربيب النبيّ وابن خير الخلائف (٢)

رفع ، والنصب على البدل. وقال تعالى (هذا ذكر وإنّ للمتّقين لحسن مئاب) [ص الآية : ٤٩] (جنّات عدن) [ص الآية : ٥٠] وإن شئت جعلت «جنات» على البدل أيضا. وإن شئت رفعت على خبر «إنّ» ، أو على «هنّ جنات» فيبتدأ به. وهذا لا يكون على «إحداهما كذا» لأن ذلك المعنى ليس فيه هذا ولم يقرأه أحد بالرفع. وقال تعالى (وجعلوا لله شركاء الجنّ) [الأنعام : الآية ١٠٠] فنصب على البدل وقد يكون فيه الرفع على «هم الجنّ».

وقال تعالى (وكذلك جعلنا بكل نبي عدوا شياطين الإنس) [الأنعام : ١١٢] على البدل ورفع على «هم شياطين» كأنه إذا رفع قيل له ، أو علم أنه يقال له «ما هم»؟ أو «من هم»؟ فقال : «هم كذا وكذا». وإذا نصب فكأنه قيل له أو علم أنه

__________________

(١) البيت لقيس بن عمرو النجاشي في لسان العرب (أزد) ، وتاج العروس (أزد).

(٢) البيت لمعن بن أوس في ديوانه ص ٣٥ ، ولسان العرب (ربب) ، وتهذيب اللغة ١٥ / ١٨١ ، والمخصص ١٧ / ١٥٤ ، وتاج العروس (ربب) ، وبلا نسبة في ديوان الأدب ٣ / ٧٣.

١٣٧

يقال له «جعل ما ذا» أو «جعلوا ما ذا» أو يكون فعلا واقعا بالشياطين و (عدوّا) حالا ومثله (لنسفعا بالنّاصية (١٥) ناصية كذبة) [العلق : ١٥ ـ ١٦] كأنه قيل أو علم ذلك فقال «بناصية» وقد يكون فيه الرفع على قوله : «ما هي» فيقول (ناصية) [العلق : الآية ١٦] والنصب على الحال. قال الشاعر : [البسيط]

١٥٥ ـ إنّا وجدنا بني جلّان كلّهم

كساعد الضّبّ لا طول ولا عظم (١)

على البدل أي ك «لا طول ولا عظم» ومثل الابتداء (قل أفانبئك بشرّ من ذلكم النّار) [الحج : ٧٢].

وقوله (قل ألأنبئكم بخير مّن ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّت تجرى من تحتها الأنهر خالدين فيها وأزواج مّطهّرة ورضوان مّن الله والله بصير بالعباد) [الآية ١٥] كأنه قيل لهم : «ماذا لهم»؟ و «ما ذاك»؟ فقيل : «هو كذا وكذا». وأمّا (بشرّ مّن ذلك مثوبة عند الله) [المائدة : الآية ٦٠] فإنما هو على «أنبّئكم بشرّ من ذلك حسبا» و «بخير من ذلك حسبا». وقوله (من لّعنه الله) [المائدة : الآية ٦٠] موضع جرّ على البدل من قوله (بشرّ) ورفع على «هو من لعنه الله».

قال تعالى (والله عنده حسن المآب) [الآية ١٤] مهموز منها موضع الفاء لأنه من «آب» «يؤوب» وهي معتله العين مثل «قلت» «تقول» «والمفعل» «مقال».

تقول : «آب» «يؤوب» «إيابا» قال الله تعالى (إنّ إلينا إيابهم) [الغاشية : ٢٥] وهو الرجوع. قال الشاعر : [الطويل]

١٥٦ ـ فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى

كما قرّ عينا بالإياب المسافر (٢)

وأمّا «الأوّاب» فهو الراجع إلى الحق وهو من : «آب» «يؤوب» أيضا. وأمّا قوله تعالى (يجبال أوّبى معه) [سبإ : الآية ١٠] فهو كما يذكرون التسبيح أو هو ـ والله أعلم ـ مثل الأوّل يقول : «ارجعي إلى الحقّ» و «الأوّاب» الراجع إلى الحقّ.

وقال تعالى (الصّبرين) [الآية ١٧] إلى قوله (بالأسحار) موضع جر على

__________________

(١) يروى بلفظ : «ولا قصر» بدل : «ولا عظم» ، والبيت بلا نسبة في لسان العرب (جلل) ، والحيوان ٦ / ١١٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٦٤.

(٢) البيت لمعقر بن أوس بن حمار في الاشتقاق ص ٤٨١ ، ولسان العرب (نوى) ، وله أو لعبد ربه السلمي أو لسليم بن ثمامة الحنفي في لسان العرب (عصا) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٦ / ٤١٣ ، ٧ / ١٧ ، ورصف المباني ص ٤٨.

١٣٨

(للّذين اتّقوا) [الآية ١٥] فجر بهذه اللام الزائدة.

وقال (شهد الله أنّه لا إله إلّا هو والملئكة وأولوا العلم قائما بالقسط) [الآية ١٨] إنما هو «شهدوا أنّه لا إله إلا هو قائما بالقسط» نصب (قائما) [الآية ١٨] على الحال.

وقال (ألّا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) [الآية ١٩] يقول (وما اختلف الذين اوتوا الكتاب) [الآية ١٩] (بغيا بينهم إلّا من بعد ما جاءهم العلم) [الآية ١٩].

وقال (لّا يتّخذ المؤمنون الكفرين) [الآية ٢٨] بكسر (يتّخذ) لأنه لقيته لام ساكنة وهي نهي فكسرته.

وقال تعالى (إلا أن تتقوا منهم تقية) [الآية ٢٨] وقال بعضهم (تقة) [الآية ٢٨] وكلّ عربي و (تقاة) أجود ، مثل : «إتّكأ» «تكأة» و «إتّخم» «تخمة» و «إتّحف» «تحفة».

وقال الله تعالى (تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدا بعيدا) [الآية ٣٠] لأنّ «البين» ها هنا ظرف وليس باسم. ولو كان اسما لارتفع «الأمد». فإذا جئت بشيء هو ظرف للآخر وأوقعت عليه حروف النصب فانصب نحو قولك : «إنّ عندنا زيدا» لأن «عندنا» ليس باسم ولو قلت : «إنّ الذي عندنا» قلت : «زيد» لأن «الذي عندنا» اسم. قال (إنّما صنعوا كيد ساحر) [طه : الآية ٦٩] فجعل «إنّ» و «ما» حرفا واحدا واعمل «صنعوا» كما تقول : «إنّما ضربوا زيدا». ومن جعل «ما» بمنزلة «الذي» يرفع الكيد.

وقال تعالى (ذرّيّة بعضها من بعض) [الآية ٣٤] فنصبه على الحال ، ويكون على البدل على قوله (إنّ الله اصطفىءادم) [الآية ٣٣] وقال تعالى (إذ قالت امرأت عمران ربّ إنّى نذرت لك ما فى بطنى محرّرا) [الآية ٣٥] فقوله (محرّرا) [الآية ٣٥] على الحال.

وقال تعالى (فتقبّلها ربّها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفّلها زكريّا) [الآية ٣٧] وقال بعضهم (وكفلها زكرياء) [الآية ٣٧] زكرياء و (كفلها) أيضا (زكريّا) [الآية ٣٧] وبه نقرأ وهما لغتان. وقال بعضهم (وكفلها زكرياء) بكسر الفاء. ومن قال : «كفل» قال «يكفل» ومن قال «كفل» قال «يكفل». وأما «كفل» فلم أسمعها وقد ذكرت.

١٣٩

وقال الله تعالى (ربّ هب لى من لّدنك ذرّيّة طيّبة) [الآية ٣٨] لأن النون في «لدن» ساكنة مثل نون «من» وهي تترك على حال جزمها في الإضافة لأنها ليست من الأسماء التي تقع عليها الحركة ، ولذلك قال (مّن لّدنّا) [النّساء : الآية ٦٧] ، وقال تعالى (من لّدن حكيم عليم) [النّمل : الآية ٦] فتركت ساكنة.

وقال تعالى (يرزق من يشآء بغير حساب) [الآية ٣٧] فهذا مثل كلام العرب «يأكل بغير حساب» أي : لا يتعصّب عليه ولا يضيّق عليه. و (سريع الحساب) [البقرة : الآية ٢٠٢] و (أسرع الحسبين) [الأنعام : الآية ٦٢] يقول : «ليس في حسابه فكر ولا روية ولا تذكّر».

وقال تعالى (إنك سميع الدّعاء) [الآية ٣٨] مثل «كثير الدّعاء» لأنه يجوز فيه الألف واللام تقول : «أنت السّميع الدّعاء» ومعناه «إنّك مسموع الدّعاء» أي : «إنّك تسمع ما يدعى به».

وقال تعالى (فنادته الملئكة وهو قائم يصلّى فى المحراب أنّ الله يبشّرك) [الآية ٣٩] لأنّه كأنه قال (نادته الملائكة) فقالت : (إنّ الله يبشّرك) وما بعد القول حكاية. وقال بعضهم (أنّ الله) يقول : «فنادته الملائكة بذلك».

وقال تعالى (بيحيى مصدّقا بكلمة مّن الله وسيّدا وحصورا) [الآية ٣٩] وقوله (وسيّدا وحصورا) [الآية ٣٩] معطوف على (مصدّقا) على الحال.

وقال تعالى (وقد بلغنى الكبر) [الآية ٤٠] كما تقول «وقد بلغني الجهد» أي : أنا في الجهد والكبر.

وقال (ثلاثة أيّام إلّا رمزا) [الآية ٤١] يريد : «أن لا تكلّم الناس إلّا رمزا» وجعله استثناء خارجا من أول الكلام. والرمز : الإيماء.

وقال (واذ قالت الملائكة يا مريم) [الآية ٤٢] ف «إذ» ها هنا ليس له خبر في اللفظ.

وقوله (إذ قالت الملئكة يمريم إنّ الله يبشّرك) [الآية ٤٥] و (يوم تجد كلّ نفس مّا عملت من خير مّحضرا) [آل عمران : الآية ٣٠] وأشباه هذا في «إذ» و «الحين» وفي «يوم» كثير. وإنما حسن ذلك للمعنى ، لأن القرآن إنما أنزل على الأمر والذي كأنه قال لهم : «اذكروا كذا وكذا» وهذا في القرآن في غير موضع و «اتّقوا يوم كذا» أو «حين كذا».

١٤٠